clavier arabe

الأربعاء، 5 يناير 2011

العولمة الجديدة

فى لحظات تأمل ثاقبة جاء الى الطبيب أربعة مرضى تعتريهم نفس الحالة يشكون نفس الاعراض نزلة برد شديدة ارتفاع فى درجة الحرارة وفتور بالجسد ولكن رغم هذا التشابه الكامل أعطى لكل منهم علاجا مختلفا الاول كان رجلا فى الاربعين فأعطاه العلاج المعتاد والثانى كانت امرأة فى شهور الحمل الاولى فقام بتغيير العلاج والثالث كان طفلا دون العاشرة فكتب علاجا يراعى فيه الجرعة والرابع كان طفلا مصاب بأنيميا الفول فأعطاه قائمة بالأدوية المحظورة وكتب علاجا غير علاج المرضى الآخرين يا ترى هل مافعله الطبيب كان منافيا للعدالة هل يتعارض مع قيمة المساواة أم ان ما فعله كان هو الصواب لا ريب ان الفلسفة الغربية تشوب وتروب تصيب حينا وتخطىء أحيانا أخرى ولكن تنقصها ما قام به هذا الطبيب ...الحكمة
ان اشكالية القيم الغربية ليست فى الافلاس فالافلاس لا يكون فى القيم بل يكون فى الادوات والوسائل ولكنها اشكالية فى الفهم ثم الالتزام بها والتطبيق الشامل لها دون محاباة أو مجاملة ان الغرب يرى فى العدالة والمساواة والحرية والاخاء قيم على اطلاقها دون وضع التنوع البشر العقدى والبيولوجى فى الاعتبار فتراها يكتنفها الخلل حين تدخل حيز التطبيق والممارسة
لنعد الى مثال الطبيب حتى تتقارب الافهام ان العدالة تقتضى أن يهرع الطبيب الى تقديم الرعاية الصحية دون تأخير والمساواة تقتضى أن يقدم الخدمة الطبية بأداء جيد دون تمييز ثم بعد ذلك يكتب العلاج ولكن الحكمة وهنا يأتى الخلل فى العقلية الغربية ان يكون العلاج مختلفا يتوافق وظروف الحالة ان المساواة ينبغى أن تكون توافقية تتوافق مع المعتقدات الدينية والعادات العرفية والثقافات المختلفة ان نتوءات المفتاح يجب أن تتوافق مع القفل حتى تفتح لك الابواب لو أن الطبيب أعطى للطفل المصاب بأنيميا الفول نفس علاج الطفل الآخر لقد قام بتطبيق المساواة حرفيا التزم بها ولكنه جلب الضرر للطفل المسكين ولو أعطى الطفل الآخر علاج الطفل المصاب بالانيميا فقد حرمه من أدوية أخرى قد تكون أشد نفعا وأكبر تأثيرا من هنا يتضح ما يسمى " بالمساواة التوافقية "
فمثلا يجعل الغرب فى نظرته الساذجة الى الاسرة على انه استعباد من الرجل للمرأة وتركيع لها لأنه الحاكم القوى المستبد الذى يمتلك الموارد الاقتصادية وهى المخلوق الضعيف دون مراعاة أن الاختلاف البيولوجى يتطلب اختلاف فى الوظيفة وان الاسرة التى هى نواة السياسة الاجتماعية لا بد أن تكون فيها سلطة واحدة نهائية تحسم المواضيع المختلف عليها والا انفرط عقدها ومن ثم تفككت عرى المجتمع
كما أن القرأن حين تطرق الى هذا الامر جعل فى الخلفية جانبا وجدانيا يجهله الغرب هو المودة والتراحم الميل العاطفى المتبادل جانب وجدانى يحسم كثيرا من الامور ويلطف حرارة الاختلاف بينهما

عندما ننظر الى ما يدعى أنه مضايقات للنصارى وهذا محض افتراء يجب أن نتفق على مفهوم الحق هناك حقوق أساسية يتشارك فيها كل المنطوين تحت راية الدولة الطعام ,السكن ,الامن , التعليم يجب أن يحظى بها الجميع على السواء وهذا كان قائما تحت راية الدولة الاسلامية ولكن حين ننتقل الى دور العبادة فان الامر لا بد أن يتوافق مع مدة الصلوات , عدد الصلوات , عدد السكان فليس من المعقول فى ظل تقدم وسائل المواصلات أن يبنى بجوار كل بيت نصرانى كنيسة يذهب اليها مرة أسبوعيا ليقضى فيها دقائق معدودة انها الحماقة حين تكشف سترها
اما اشكالية القيم الغربية الثانية هى الالتزام بتطبيقها فى التعاملات الدولية وهذا يدرك الجميع فداحة التفريط فيه فحين يتراءى بريق المصلحة الشخصية يسيل لعابه نحوها وينسى ما كان يدعو اليه فكم من اتفاقيات نفطية سطرت بمداد من دماء وكم من مكتسبات تجارية تتم فى احتفالات صاخبة وفى الخلفية أصداء صراخ الجياع لا يسمع بهن أحد وكم من دعم ممقوت للاستبداد من أجل استمرار تدفق ثروات الشرق الذى يفيض لبنا وعسلا فى حين الاسرى يجهشون فى ظلم الليل بالبكاء يدعون ربهم وينشدون الخلاص من أجل معتقدات اختاروها أو مبادىء ينادون ومرضى يتألمون تشكو أعينهم الغائرة وافواههم عاجزة عن الكلام
وأطفال يذهبون ضحية اهمال متعمد لا يشعر بفقداهن أحد ان سياسات الغرب فى الشرق تمييزية دعنى أضرب مثلا حين غرقت احدى المراكب بفتيات نصرانيات فى النيل علا الصراخ والعويل ولطم الخدود والاعلان المتملق رفع عقيرته بالنواح فى حين أن تلميذات ذهبن ضحية السيول منذ عدة أيام لم يلتفت لهن أحد أوليس هؤلاء ضحايا السياسات الغربية الانتهازية التى ترسخ الاهمال والتخلف
ان العالم بحاجة الى عولمة جديدة عولمة على درجة من الوعى والمسئولية تلتزم بقيم خلاقة وشيم لا تعرف التقصير
ان أروع ما قاله فرنسيس بيكون فى معرض تعليقه على كتاب الامير لميكافيللى " انه يتعامل مع البشر كما هم لا كما يجب أن يكونوا " ان العولمة الجديدة لا بد أن تخرج لنا منتجا بشريا جديدا يخلع عباءة الفوضوية والأنانية المتوحشة ويرتدى عباءة أخلاقية منتجا بشريا جديدا يرى القيم هى الغاية القصوى لا يبيعها عند أول مشتر عولمة تتسامى فوق كل الاعراق والنعرات والعصبيات السفيهة وتقيم روابط جديدة بين بنى البشر بين أبناء آدم روابط فكرية أشد من روابط القرابة والنسب, فى الاديان السابقة كانوا يسمون " أبناء الله " لأنه تعالوا على كل الروابط المزعومة وجعلوا الله ملتقى ولاءهم وبراءهم حبهم وكراهيتهم انهم ولدوا من جديد ولكن بسبب السفاهة والحماقة والتدليس تغير الامر الى صفات أخرى "حزب الله , عباد الرحمن الذين لا يحملون مودة فى قلوبهم الا لمن أخلص للقيم وتعاليم الاله
...وأيدهم بروح منه
انها عولمة جديدة يستحقها البشر تحررهم من الانانية والمصلحة الشخصية يقول ديدرو "ان منبع السلوك الانسانى من صولجان الملك الى عصا الراعى ومن تاج البابا الى قلنسوة الراهب لا خفاء فيه ..انه المصلحة الشخصية "
ان العولمة الجديدة يجب أن تعيد صياغة العلاقات البشرية وبناء النفس الانسانية من جديد ومن هنا يأتى الاخاء


الاثنين، 3 يناير 2011

الاسكندرية الكبرى

وحدث ما كان متوقعا وكان لابد أن يحدث حين أطلق البعض العنان لنفسه فى السخرية والاستهزاء وترويج سى ديهات تتهكم على القرآن و على سورة العاديات وتم توزيع السى دى فى الجامعات المصرية ...حين تصاعدت مطالب لا مشروعية لها ولا سند من دستور أو قانون أو فكر سياسى واتسمت تلك المطالب بالانتهازية والتعنت المفرط حين بدأ الجميع يتحرش بالمشاعر الاسلامية وتصاعد المظاهر فى الملبس أو التعامل اليومى ..حين جاءت الجيوش الغربية الى المنطقة تحاصر شعوبها وتذيق أهلها سوء العذاب حينما أصم العالم أذنيه عن أزمة اقتصادية نتيجة حروب ونفقات تغذيها عقول طائشة حينما ضاع القانون واختفت المعايير و أصبحت القوانين الدولية محل تندر واستهزاء حين يتم تطبيقها حينا ويتم غض الطرف حينا آخر
دعونا ننظر الى العالم على أنه اسكندرية كبرى عالم تعيش من خلاله عشرات الجنسيات ومختلف الأديان فقد اختفت فيه الحدود وأصبح الحادث الذى يشتعل فى مكان يوقد حوادث أخرى اوليس هذا ما تضمنه خطاب أوباما فى القاهرة
كانت الاسكندرية فى الماضى تعج بأكثر من مائتى جنسية كما يقول المؤرخ اليهودى الشهير فيلو وكانت ملآى بأعراق متعددة وأصناف شتى ولكنها للأسف لم تعش كما روج البعض فى وئام وسلام لم يكن الرجل اليونانى يعانق المصرى ويجلسان فى مقهى جانبى لم يكن النصرانى يقترض من التاجر اليهودى ويرد اليه دينه مصحوبا بفائدة ربوية فى فرح وسرور ليس الامر كما صوروه أو كما حاولوا أن يخدعونا فقد غاب القانون وقتها واندلعت الافكار الطائفية تشعل أزمات من حين لأخر ففى عام ثمانية وثلاثين ميلادية استفز اليهود مشاعر الجاليات الاخرى كعادتهم فأثار ذلك اليونانيون فوشوا بهم عند الحاكم الرومانى أكليوس فلاكس الذى حرمهم من حق المواطنة فانطلق اليونانيون يحرقون منازل اربعمائة من اليهود واقتادوا ثمانية وثلاثين من أعضاء المجلس اليهودى وقاموا بجلدهم علنا ودنسوا المعابد اليهودية وذهب وفدان من اليهود واليونان ليعرض كل منهم قضيته ولكن الامبراطور الرومانى وقتها قضى نحبه فأعاد الالقد كان كل شعب من الشعوب القديمة يسب ويلعمبراطور الجديد لليهود ما كانوا عليه من امتيازات هكذا حين يتنامى الاستفزاز ويختفى القانون تتصاعد الموجات العدائية وتتعالى المغامرات اللفظية الغير مسئولة فيكون اشتعال الفتيل أمرا سهلا ان العالم حاليا " الاسكندرية الكبرى" يعانى من انتهاكات سياسية مزرية مذابح هنا وحروب هناك أزمات اقتصادية لم تعد تفرق بين العالم الاول والعالم الخلفى تونس مثل فرنسا بوليفيا لا تختلف عن بريطانيا حتى تصريحات السياسيين متشابهة هاهو الرئيس التونسى يتألم لصورة تونس وكأن على الفقراء أن يكنموا أهاتهم ويتلوى المسحوقون بلا صراخ حفاظا على صورة تونس المقدسة أيتها الاسكندرية الكبرى متى تتحقق العدالة والامن
وفى كتاب الاسكندرية أعظم عواصم العالم القديم للكاتب الالمانى مانفريد كلاوس وترجمة الاستاذ أشرف أحمد يحكى لنا عن الواقع المعاش بين تلك الجاليات ويصوره الكاتب بصورة رائعة أجاب عن أسئلة كانت تدور فى الخيال من حين لآخر ماذا حدث بعد تلاقى المصريين واليهود ثانية بعد الخروج الكبير من مصر كيف كانت العلاقة بينهما
لقد نظر اليهود الى الامر على انه انتصار مدو على المصريين وأغدقوا على المصريين من الصفات المسىء منها والأكثر سوءا فقال الفيلسوف اليهودى الشهير فيلو وهى سقطة فى حقه " ان الشعب المصرى عبارة عن فضلات وقاذورات " وكان المصريون على لسان الاديب ابيون الذى لم يبخل هو الآخر يرون " أن اليهود مليئون بالامراض الفتاكة والمعدية لذلك طردهم المصريون " وهكذا تكون الامور حينما يتحول الامر الى عراك لفظى وأقوال حمقاء بلا موضوعية أو جدال حسن على مستوى راق من الحوار يصبح السباب هو سيد الموقف فكان المشهد كما يقصه الكاتب " لقد كان هناك فى كل شعب من الشعوب القديمة يسب ويلعن ولم يسلم شعب من الشعوب القديمة من ذلك السب واللعن حتى الرومان انفسهم فالمصريون شعب من الانذال المنحطين وشعب كريت من الكذابين وشعب مدينة بوتا اليونانية شعب من السكارى اليونانيون مهرجون وبهلوانات رآى الرومان السوريون خلقوا لكى يكون عبيدا منحنى الظهور ورآى اليونانيون الرومان ذوى رؤوس فارغة " كانت نعرات عنصرية وعصبية ممقوتة فى ظل تناحر وتنام تغذيه نخب غير مسئولة هل يستطيع أحد فى العالم أن يوضح ما هو التكييف القانونى لشركة بلاك وتر الامريكية
فما الحل اذن هذا ما سأوضحه فى مقال أخر بعنوان "العولمة الجديدة " لوضع أطر لعولمة عاقلة مسئولة
...بمشيئة الله تعالى









الأربعاء، 29 ديسمبر 2010

الشخصية اليهودية

سأكون مفاجئا كعادتى وأرتدى ثياب الموضوعية وأحلل بحيادية تامة الشخصية اليهودية لا أخفيكم سرا كنت أتساءل بينى وبين نفسى هل من الممكن أن أضع تحليلا عاما للسخصية اليهودية هل من الممكن أن تضع تصورا لعرقية كبيرة يندرج تحتها أنماط مختلفة من العقول والشخصيات هل الشخصية اليهودية طريقة تفكير أم مجموعة صفات أم غاية سياسية وعقدية أفرزت هذا النموذج أم ان الشخصية اليهودية محصلة ذلك جميعا
تتميز الشخصية اليهودية بشكل عام بالانفعال الشديد والحماس الزائد والاعتزاز بالنفس بشكل مبالغ فيه والغطرسة يدفعها بشكل مستمر نحو التمرد ولكن هذه القشرة الخارجية تخفى بداخلها قدرا كبيرا من الخوف والقلق تشعر دوما بأن هنالك مفاجأة فى الانتظار وأن يد القدر تخفى شيئا غير متوقع ربما يعصف بتلك الاحلام ان طبقة الجليد على سطح البحار والمحيطات تخفى ما تحتها من اضطراب
كما تتميز بالخيال الجامح الذى يدفعها دوما نحو تأليف سيناريوهات واختلاق قصص وترديد الأكاذيب ولا تتورع بتاتا من المضى فيها قدما دون رادع أو تأنيب كل ذلك مبعثه التعالى الكاذب والشعور الزائف بالتميز والفوقية على باقى البشر فتبيح لنفسها أشياء لا مشروعية لها وليس لها أى مصداقية انها تريد دوما احساس الآخرين بهذا الفارق ولكن تلك الرغبة المستمرة تأتى بتأثير عكسى و تجعلك تشعر بأن هذا الفارق وهمى ومختلق فضلا عما تثيره من الحنق والاستفزاز وخير مثال على المقدرة على تأليف تلك السيناريوهات فى قصة يوسف عليه السلام عندما أرادوا أن ينزعوا يوسف من بين يدى يعقوب فقاموا بالتودد والتقرب والتظاهر بالعطف على أخيهم ثم قاموا ببيعه بشكل سافر ومزر دون أدنى تأنيب من ضمير بثمن بخس وعادوا الى أبيهم بتأليف قصة كاذبة وهم يذرفون الدمع فقد ذهبوا للتسابق وتركوا أخاهم عند متاعهم فجاء الذئب الغادر فأكله ثم لقطع الطريق على يعقوب بالشك يقولون أننا نعلم جيدا أنك لن تصدقنا مهما قلنا ولن توافقنا هذه القدرة الفائقة على الكذب والتحول فى الاداء تجعلك تتساءل أى شخصية تلك
ولكن بالتفنيد والتحليل يمكن بالطبع اكتشاف تلك الاكاذيب الواهية وهذا الاسلوب متبع حاليا على نطاق واسع عالميا وسياسيا
ان اشكالية الشخصية اليهودية تتأتى من عدم المصارحة مع النفس وتحميل الآخر المسئولية والقاء التبعة عليه هناك فى السياسة أمران هامان هما المبرر الأخلاقى والثانى سياسة "القاء اللوم " فمثلا عند القيام بأى عمل سياسى لابد من وجود مبرر مقبول للقيام بهذا العمل وعنوان عريض يتم التحرك من خلاله والا كان هذا العمل محل انتقاد واستياء وعندما تحدث أى نجاوزات مزرية وتصرفات يتوارى الشيطان منها خجلا يتم القاء اللوم على الآخرين والتنصل من أى مسئولية فعندما جاء الفرنسيون الى مصر بمذابحهم كان المبرر الأخلاقى هو نشر مبادىء الحضارة الغربية الحديثة وتخليص المصريين من الاستبداد السياسى وعندما قام النظام الجزائرى بتوجيه علقة ساخنة للمصريين فى الخرطوم عقب المبارة الثانية كان المبرر الاخلاقى هو اغلاق معبر رفح وكأن النظام الجزائرى لم يكن يعلم خلال المباراة الأولى التى أقيمت على أرضه بأنه مغلق
وكذلك الهكسوس حين احتلوا مصر أخذوا يتذرعون بالازعاج التى تسببه أفراس النهر وهكذا الاشكالية اليهودية
تضع مبررا أخلاقيا واهيا دوما لتحركاتها وهو من حق اسرائيل الدفاع عن نفسها وتندفع فى تصرفاتها الجنونية بلا وازع وتنطلق باستخفاف بلا كوابح ثم بعد ذلك تلقى بالتبعة على الآخرين الاشقياء وهكذا على هذا المنوال تسرى عجلة السياسة الامريكية فتأبى أن تتحلى بالمصارحة والمكاشقة ثم تتقمس دور الضحية التى يتآمر عليها الجميع فتلقى باللائمة عليهم رغم ما تقترفه أياديها من أعمال مشينة
ان الاحساس بالتعالى الكاذب يجعلك فى كثير من الاحيان لا ترى حرجا على تصرفاتك مهما كانت متجاوزة لكل الاعراف والمعاييروتختلط عليك المفاهيم فترى الخطأ قمة الصواب وأعمال الشر هى أمور مبررة أخلاقيا ومقبولة لدرجة أن الرب خاطبهم فى سفر ملاخى قائلا ": لقد اتعبتم الرب بكلامكم و قلتم بم اتعبناه بقولكم كل من يفعل الشر فهو صالح في عيني الرب و هو يسر بهم او اين اله العدل " ملاخى 17:2 حقا أو أين اله العدل


الأربعاء، 22 ديسمبر 2010

ازمة رجال الدين

وراء كل كارثة رجل دين أحمق هكذا يصرخ بوق التاريخ ولكن المنصيتين اختفوا الاقليلا عندما أراد تيمورلنك أن يغزو دمشق وبعد أن فر منها سلطانها واعتقل نائبه تصدى له أهل دمشق بشراسة ودافعوا عن مدينتهم باستبسال يستحق التقدير فقتلوا من رجال تيمور لنك أكثر من ألف وأسروا الكثير فأدرك تيمورأن المدة ستطول فقرر أن يغزو لهم بالحيلة وكان فيها بارعا فأرسل رجلين يناديان قبل الحصن أنه يريد الصلح فابعثوا رجلا منكم يفاوضه فاتفق أهل المدينة على قاضى القضاة بن مفلح الحنبلى وذهب الرجل للقاء تيمور ويا ليته ما ذهب
وارتدى الثعلب ثياب الواعظين فقال له تيمور ان مدينة دمشق هى مدينة الانبياء والصحابة وقد قرر أن يتركها صدقة لرسول الله عن نفسه وعن أولاده ولكنه يريد من خراجها كعادته وينصرف عنها فعاد بن مفلح ليلة السبت يثنى على أخلاق تيمور وحسن ايمانه وتقواه وينهى عن قتاله فقط اجمعوا له ماطلب وانه لقليل بالنسبة لثرائهم فى ذاك الوقت فحدث خلاف شديد ولكن ولم يأت الصباح حتى غلب أمر بن مفلح وتوعد كل من يناوىء تيمور لنك وجمعوا لتيمور ما جمع وذهب اليه الاعيان فأغدق غليهم تيمور ببعض الوظائف ولكنه لم يقنع وطلب المزيد
وأعطاهم فرمان بالامن والامان لأهل دمشق
ثم ما لبث أن جاء نائب تيمور ومنعت الجمعة وأخذ السلاح من المدينة وقبض تيمور لنك على بن مفلح وأجبرهم على رسم خرائط للمدينة ونكل تيمور بأهل دمشق أشد التنكيل وأذاقهم سوء العذاب ويبدو انه كان يستشرف المستقبل من وراء أستار خفية فقرر أن يدشن فرعا لسجن أبى غريب فى دمشق كان يوضع كمامة على أنوف المواطنين مغموس بتراب ناعم كلما تنفس دخل الى أنفه حتى يكاد المرء أن يهلك فيرفهعها عنه ثم يعيد الامر مرة أخرى كانوا يعلقون من الحبال وتوضع أسفلهم النيران أهتك أعراضهم بكل برود ثم أشعل النيران فى المدينة كلها
ايه يا بن مفلح أولم يكن بالاحرى ان تتركهم يقاتلون فقد أخذت أموالهم ونكلوا تنكيلا صدقة لرسول الله ...ونعم الصدقة

وعندما تولى يزيد بن عبد الملك الحكم خلفا لعمر بن عبد العزيز قرر أن يسير فى الناس بسيرة عمر فجاءه أربعون شيخا يقولون ليس على الخلفاء من حساب ولا عذاب ...هكذا بكل بساطة

فالدين والسياسة العلاقة بينهما متشابكة دوما ولا تزال يصيبها التوتر حينا ويصيبها الود حينا آخر لما له من أثر فى النفس البشرية وتحويل الانسان من كائن فوضوى الى كائن سياسى عاقل يندرج فى التنظيم الاجتماعى للدولة
ان بضاعة رجال الدين دوما رائجة لا تعرف البوارما ان يصيبها الكساد فى أرض حتى تنتعش فى أرض أخرى ما ان ينتابها قحط فى زمن فانها ما تلبث أن تزدهر من جديد حتى أشد الناس الحادا لهم خلفيات ثقافية دينية تكونت فى نشأتهم الاولى ان الدين يخاطب نصف الطاقة البشرية الطاقة الروحية ليصبغ النصف الآخر لذلك كان دوما العوبة فى أيدى السياسيين عندما يقومون بالشرور من الاعمال يقولون أنهم يبرأون للدين أن يختلط بهذا الدنس فاذا ما تملمت الشعوب وضاقت بهم ذرعا يهرعون اليه يلبسون ثوب الخشوع الزائف ويتقربون الى الجماهير ويتظاهرون بما لا يعكس دواخلهم ورجال الدين يتاجرون بالنصوص المقدسة ليشتروا بها ثمنا قليلا فكانت طبقة الكهنة عبر التاريخ يخدعون ويتاجرون واذا برجال الدين أكثر حرصا على مباهج الدنيا أكثر من أهلها فكانت البشارة الالهية بالشريعة الخاتمة كما جاءت فى التوراة فى سفر ارمياء فى الاصحاح الحادى والثلاثين "وأجعل شريعتى فى دواخلهم وأكتبها على قلوبهم "
لقد كانت اشكالية رجال الدين عبر التاريخ تتزايد زمنا بعد آخر حينما أصبحت السلطة الحاكمة تواجه أزمة صلاحية وشرعية حقيقية فانقسم رجال الدين ثلاثة أقسام الاول أدار ظهره للسلطة وآثر الابتعاد عنها وأخذ بتحدث فى الحيض والطهارة يزيد ويكرر وكلما قتلهم الفراغ يتكلمون فى فروع الفروع المتفرعة وقسم حسم أمره انحاز للسلطة يدور معها حيثما ذهبت دروعا واقية لها تحميها من أى آراء مضادة وقسم أبى الا الاعلان عن الكلمة الصادقة مهما بلغت قسوتها لا يقبل فيها مجاملة أو تنازل كابن جبير وابن حنبل وبن عبد السلام
ان السياسة والدين لا ينفصل كلاهما عن الآخر فالدين يهذب السياسة ويكبح جماح منتسبيها الذى لا يعرف التوقف ولا يرى نقطة نهاية والسياسة تحمى الدين من الذين يعملون دوما على النيل منه وتحطيم أركانه وعلى رجال الدين الذين يعانون حاليا من أزمة شديدة بسبب سذاجتهم السياسية المفرطة وجشعهم اللامحدود أن يتغلبوا عليها حتى لا نقع مرة أخرى فى براثن تيمور لنك

السبت، 18 ديسمبر 2010

أوراق فى الفكر السياسى

لم يقرأ توماس هوبز لم يتصفح أوراق جون لوك لم يتأمل يوما ما سطرته أصابع روسو ولكنه كان على درجة من الوعى السياسى لا يمتلكه الكثير من ادعياء الثقافة فى هذا العصر رغم بساطة ملبسه وتواضع مظهره الا انه كان على قدر من الشجاعة لايعرفها من اعتادوا الهوان والتذلل يحكى لنا جلال الدين السيوطى عن ان الخليفة المأمون كان فى مجلسه يوم الثلاثاء يدارس الناس الفقه فجاءه هذا الرجل يشمر ثيابه يضع نعله تحت ابطه لم يرهي الحاضرين ومن يمتلك تلك المصارحة مع النفس كيف له أن يخاف وان كان الخليفة نفسه والملأ من حوله القى السلام ثم سأله " أخبرنى هل مجلسك هذا تجلسه باجماع الامة أم بالغلبة والقهر " انه يتحدث عن معضلة البشرية الأزليةعن شرعية السلطة الحاكمة التى تدير الشئون اليومية والحياتية للمواطنين أى رجل هذا الذى غفل التاريخ عن ذكر اسمه
ان شرعية الدولة تنقسم الى قسمين الاول شرعية الدولة نفسها ككيان قائم على هذا التجمع البشرى الكائن فى هذا المكان أو الاقليم ثم شرعية السلطة الحاكمة لهذا التجمع البشرى
فى الدولة الغربية المعاصرة اتفقوا على أن شرعية الدولة تكمن فى قيمها الحضارية التى ينبغى لها القيام بها ونشرها عبر المعمرة كلها ثم شرعية السلطة تأتى من العقد الاجتماعى القائم بين المواطنين والسلطة الحاكمة لتوفير أساليب العيش والرفاهية ولكن الغرب لم يحقق أيا منهما ومن ثم كانت الانظمة العربية الراضخة له تسير على نفس المنوال لقد فقدت الدولة العالمية المعاصرة شرعيتها لم تعد تستحق الوجود لأن الهدف الذى ألزمت به نفسها لم يتحقق
ان المظاهرات التى تجتاح فرنسا وبريطانيا واليونان تهدد العقد الاجتماعى الغربى بسبب تزايد نفقات الحروب ومحاولة المؤسسة العسكرية تدبير نفقاتها المالية الباهظة وليتحمل المواطنون عاقبة تلك الحروب كما أن قيم الحضارة الغربية لم تجد سبيلا للظهور فى الشرق الاوسط منذ تجربة اسرة محمد على لأن المصالح الغربية أهم من أى قيم مدعاة وهذا أمر ليس بجديد يقول الاستاذ سيد على أحمد الناصرى فى كتابه عن التاريخ السياسى للامبراطورية الرومانية "لهذه الحلول حاولت الحكومة الامبراطورية ذات السلطة العسكرية تأمين الدخول لنفسها وتجنيد الطاقات البشرية لشعوبها محدثة فوضى اقتصادية واجتماعية لم يسبق لها مثيل وعى حد وصف أحد الخطباء القدماء وهو يرحب بالامبراطور الجديد ويسب الامبراطور الراحل "ان الولايات ترتعد فرائصها خوفا وهى فى أغلالها مقيدة لقد انتشر المخبرون هنا وهناك يتنصتون الى ما يقوله الناس ولا واحد يستطيع أن يتكلم بحرية أو يفكر بحرية لقد قمعت الجوانب العادلة العاقلة للحرية " لقد أفسدت السلطة العسكرية والمخابرات الامريكية العالم كانوا يلجأون الى تجنيد العملاء عبر توريطهم فى خطايا وتدبير فضائح حتى يمكن لهم ضمان ولاء تلك الانظمة ورضوخها المهين وليس عبر منظومة من قيم نظم الحكم الرشيد فاجتاحت الفوضى العالم وكان لزاما أن تجتاحه فالفوضى العالمية يليها نظام جديد يتجنب الحماقات السابقة وتبدأ نواة سياسية جديدة تنمو وتخرج شطأها وتستوى على سوقها هكذا تكون نشأة الدول عبر التاريخ وهكذا ستأتى مملكة السماء كما أشار اليها المسيح "كانت كحبة خردل أخذها انسان وزرعها فى حقله وهى أصغر جميع البذور ولكن متى نمت كانت أكبر جميع البقول وتصير شجرة حتى أن طيور السماء تأوى اليها " متى 31:13
انظر الى ما يكمله الاستاذ سيد على الناصرى كنتيجة لسياسات الامبراطورية الرومانية القديمة "وهكذا تحمل المعوزون والفقراء الالم فى صبر ومعاناة وأحنى البرجوازيون رءؤسهم خوفا من سطوة الحكام العسكريين أو حرصا على ارضائهم حتى يتمكن بعض رجالها من التسلل الى الطبقة الحاكمة البيروقراطية الاقطاعية وأصبحت بروليتاريا المدينة عبيدا للطبقة الارستقراطية المحدودة العدد تعمل فى خدمتها وتعيش على خيراتها ولم يكن الزراع المعدمون أحسن حالا من العبيد أما جماهير الغوغاء فكانوا ينتظرون الاحسان من الدولة بالخبز والتسلية ولاهم لها الا أن يكون خبزها كفاف يومها "
أليس هذا هو المشهد العالمى أينما تولى وجهك تراه ملامحه فى أعين الشعوب تنطق.. تنوح... تبكى تراه فى الشرق الاوسط , تصرخ به أفريقيا , تتألم من مرارته أمريكا الجنوبية تعتصر وتتلوى من حماقاته آسيا أليس الجميع اما متملقون أو متسولون أين قيم الحضارة أين بناء الشخصية الانسانية لم تعد سوى دمية تمثل أو عروس تتحرك أو كائن هائم على وجهه يبحث عن الطعام وماذا كانت النتيجة كما يقول الاستاذ سيد على الناصرى نفسه " ولما يئست الشعوب من الاصلاح رفعت سلاحها ضد الامبراطورية الجشعة المستغلة حفاظا على وجودها " ان التاريخ ما هو الا حلقات تعاد وتتكرر تتفكك وتعيد تكوين نفسها مرة أخرى ان الرب حين تحدث عن هلاك الامم فى سورة البروج قال " انه هو يبدىء ويعيد "
أما عن شرعية النظم فى المنظور السياسى الاسلامى فله حديث آخر








الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

موسولينى ...وأهل الكهف

القائد الايطالى الشهير بينيتو موسولينى أصابته حالة من النشوة الروحية الخالصة والنقاء النفسى الشفاف فكتب تعليقا على كتاب الامير لميكافيللى والذى كان موضوعه لدرجة الدكتوراة تعليق يستحق الالتفات والقراءة بعناية خاصة من قائد دخل حروبا طاحنة أو هكذا روج الينا وكان له فى الشأن السياسى مدا وذراع يقول موسولينى نقلا عن ترجمة الاستاذ طارق عبد الوهاب لكتاب الامير انه فى عام 1924 عندما كرم من فريق القمصان السوداء يقول "ان ثورات القرنين السابع عشر والثامن عشر قد حاولت أن تحل هذا الصراع الذى يكون فى كل تنظيم اجتماعى للدولة وذلك بأن أظهرت السلطة وكأنها صادرة عن ارادة الشعب الحرة وهذه خرافة فضلا عن كونها وهما فأولا لم يمكن بالامكان تعريف الشعب أبدا وهذا ككيان شىء أساسى هو كيان مجرد لا نعرف من أين بدأ وأين ينتهى ان صفة السيادة حين تطبق على الشعب تكون سخرية مؤلمة الشعب يرسل على أكثر تقدير ممثليه ولكنه لا يستطيع فى الحقيقة أن يمارس أية سيادة ان نظم التمثيل النيابى تخص الآلية وليس الاخلاق وفى البلاد نفسها التى تستخدم فيها هذه الألية أعظم استخدام منذ قرون وقرون تأتى ساعات حاسمة لا يطلب فيها من الشعب أكثر من ذلك حيث تنزع تيجان الشعب الورقية و وتأمره بأن يرضخ اما لثورة أو لسلم أو السير نحو حرب مجهولة ولا اجراء آخر فليس أمام الشعب الا الرضوخ والطاعة " حقا ان سيادة الشعب سيادة التيجان الورقية لا تستخدم الا قليلا للترويج الاعلامى للخداع وتحسين الوجوه القبيحة أما فى القرارات المصيرية تنحى تلك السيادة جانبا وتوضع على الحائط الى حين وهل الشعب يملك من زمام الوطن شيئا
وان كنت أختلف مع موسولينى فى تعريف الشعب ككيان والقراءة للتنظيم الاجتماعى للجنس البشرى ولكن الرجل يستمر "ان السيادة التى تمنح للشعب تسحب باللطف منه تسحب منه فى اللحظات التى يشعر بالحاجة اليها وتترك له وحده عندما تكون السيادة غير ضارة وممدوحة فتعطى له هل تتصورون حربا أعلنت بالرجوع الى الشعب ان الاستفتاء يسير سيرا حسنا عندما بكون بصدد اختيار أنسب مكان لوضع نافورة القرية " كم أنت صادم يا موسولينى لقد ذكرنى ذلك بقصة ذكرها ج.ج.كروثر فى كتابه قصة العلم عن المخترع الشهير اديسون فالرجل كانت أولى اختراعاته كان نظام كهربائى لتسجيل أصوات الناخبين بدقة وسرعة وهرول الى واشنطن لعرض الجهاز على المسئولين فأخبره رجال السياسة أنه أخطأ الهدف وسار فى االطريق الغير صحيح وربما الغير مقبول فأخر شىء يرغبون فيه هو فرز الاصوات بسرعة لأن هذا يفسد مناوراتهم التكتيكية من أجل عرقلة خصومهم وكسب أصوات الناخبيين ومنذ ذلك الوقت قرر اديسون ألا يبدد جهوده فيما هو غير مطلوب
ان سيادة الشعب أكذوبة كبيرة فى عصر لا يعرف الى الصدق سبيلا ان سيادة الشعب لا تأتى الا من سيادة المنظومة القانونية والتشريعية أن تعلو هى فوق الجميع لا تخضع لهوى أحد أو يتلاعب بمضامينها فرد
لذلك كان ايمان موسولينى بالقوة وحدها مفرطا لا كراه الناس على ما يؤمن به وكان ما كان ولكننى سأضرب لموسولينى مثلا آخر عن أناس لم يستخدموا القوة لأنها لم تكن متاحة لهم وقتها كل ما كان فى مقدرتهم ان يجأروا الى الجبال وألا يشاركوا قومهم الافكار الباطلة ومجاراتهم فى غياهب الهوى
فذهبوا الى الكهف وبعد حين من الزمن ابتعثهم الله ليوضح لهم أنه لم يخذلهم انظروا بعينى رؤوسكم التى لا تخطىء النظر هاهى الاحوال قد تبدلت والظروف قد تغيرت وأصبحوا هم رموز المجتمع وأقطابه تتناقل العامة سيرهم ويتحدثون عن مآثرهم ان الحجارة التى كانت سترجمهم تحولت الى مسجد يقام حولهم .....هيا فليعودوا الى رحلة الموت مرة أخرى لنعلم أى الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ان لحركة التاريخ يدا أعلى توجهها
ان الاصلاح لا يحتاج منا الا الى موقف فى وقت تبحث فيه المواقف عن رجال
- رغم أن كاتب المقال له رأى قاس فى الخليفة المأمون أشد وطأة مما هو فى كتب السنة الا أن الرجل كان محقا فيما قال ورغم أن أقوال الاقدمين من حكم لا أكررها مسلما بها الا بعد الممارسة الحياتية ومعايشة الواقع فاننى أوافق الرجل تماما فقد قال الرجل "أظلم الناس لنفسه من يتقرب الى من يبعده ويتواضع لمن لا يكرمه ويقبل مدحا ممن لا يعرفه "
نلتقى بعد العيد بمشيئة الله تعالى

الأربعاء، 3 نوفمبر 2010

فى فلسفة السلاح

يقول ميكافيللى فى كتابه الامير "على الامير ألا يستهدف أو يبغى شيئا الا الحرب وتنظيمها وطرقها وألا يفكر أو يدرس شيئا سواها حيث الحرب هى الفن الوحيد الذى يجب أن يتقنه كل من يصل الى مرتبة القيادة ....وكثيرا ما يرى الانسان أن الامير لا يلقى بالا بالحرب وفنونها والسلاح وأنواعه والتدريب على استخدامه ويكون همه الاول والأخير هو تحقيق ملذاته ورغباته يكون من السهل على الامير أن يفقد امارته ولا جدل فى رأينا أن ازدراء فن الحرب يكون سببا رئيسا فى ضياع الممالك والامارات وأن اتقانه والتمرس فيه هو السبيل الى الحصول على الدول والامارات وامتلاكها "
وحيث أن كتاب الامير يشكل العقل السياسى للقادة فى الغرب فاننا نقول بكل موضوعية أن الرجل قد أصاب فى هذا النقطة وهى أهمية القوة والترفع عن الرغبات المبالغ فيها الا ان هنالك خللا تسرب اليه لأنه اعتمد فقط الحرب والقوة رغم أهميتها الكبرى دون غيرها كسبيل لترسيخ الامارات فالخطأ فى اعتماد الحرب وحدها دون اللجوء الى قوة الافكار لأن الفكر أيضا له قوة تضارع قوة الحرب والاشكالية الغربية المعاصرة التى تعانيها بشدة هى ضعف الافكار المنتجة التى جاءت بها الينا وعدم قدرتها على المواجهة الشريفة فى الميدان واللجوء الى أساليب رخيصة عرجاء فى مواجهة نور الحقيقة الذى لا ينطفىء
وهذا ما أوقع الغرب فى المواجهة مع العالم الاسلامى انه يملك القوة والتقنية العلمية ولكنه يعانى من فقر فى المخاطبة الوجدانية والتنظيم الاجتماعى والقيم المثالية وعندما تدخل القوة فى صراع مع القيم حتما ستخسر وسترتد على أعقابها

ان الحرب وقوة الافكار صنوان لا يفترقان واذا اعترى احداهما الضعف أو الخوار انهار كلاهما فلابد للأفكار أن تمتلك القدرة على الاستمرار والقابلية للانتشاروالتراضى الداخلى انها مثل حبوب اللقاح المتطايرة عندما تجد من يوافقها تخرج مولودا جديدا وثمرة يافعة ناضجة فعندما رآى ميكافيللى أن الانبياء المسلحين انتصروا وحققوا نجاحات أكثر من الانبياء الغير مسلحين لأنهم استخدموا القوة لفرض ما يؤمنون به من قوانين نسى أن هذه القونين والتشريعات لها من القوة الفكرية التى توافق النفس البشرية وتتلاقى معها وليست متنافرة مع المنظومة الاجتماعية القويمة التى يحلم ويحتفى بها عالم البشر
فمهما امتلكت من قوة لن تستطيع أن تفرض قناعاتك على الآخرين الا اذا كانت تلك القناعات تتوافق مع العقل والوجدان مع الفكر والروح مع الواقع الاجتماعى والعدالة السياسية سأضرب مثلا لو أن مجموعة من المسجلين خطر قاموا بفرض سطوتهم على أحد الاحياء وجعلوا على العامة أوتاوات يدفعونها مرغمين بالطبع سيرضخ لها الجميع و سيتكيفون مع الوضع الجديد بل قد يتطوع البعض بالمساعدة وتقديم الخدمات أما حين يتدخل اؤلئك الاجراميون فى حياتهم الخاصة والشأن الاجتماعى هنا ستثور ثائرتهم وينتفضون للمواجهة

وهذا خطأ آخر وقع فيه ميكافيللى حين وضع تصورا الهزيمة للدولة التركية حيث يقول "أما الاسباب التى تجعل احتلال المملكة التركية صعبا فهى أن المحتل لا يمكن أن يأتى بطلب من أمراء تلك المملكة كما أنه فى سبيل تحقيق هدفه ألن يستطيع ن يعتمد على ذلك عن طريق ثورة يعلنها أؤلئك المقربون من شخص الحاكم حتى لو استطاع رشوتهم فلن يستطيعوا اقناع الشعب بتلك الثورة لذلك فانه كان من الواجب على كل من يفكر فى مهاجمة السلطان التركى أن يعتمد على قوته على على الضطرابات فى صفوف العدو حيث انه سيواجه جيشا متحدا ولكنه ان تمكن من النتصار عليه فلا يبقى أمامه الا الاسرة الحاكمة فاذا ما قام بالقضاء عليها لم يعد هناك ما يخافه أو ما يخشاه " والخطأ هنا أنه بعد الانتصار عليه وهذا ما حدث مع الخلافة العثمانية فانه حين يقوم بفرض ما يعتقد من منظومة حياتية ستصطدم مع قناعات الشعب ويحدث فوران بلا توقف
فمثلا مصطلح المواطنة يعانى من الاهتراء الكثير الذى يسخر منه أضعف الناس عقلا لأنه لا يضع الترابط الفكرى وهو الأهم فى الاعتبار ان الغابة ساحة للتعايش المشترك بين كثير من الحيوانات ولكن هذا التوحد فى أرض المعيشة لم يخلق التجانس بينها ويقيم الحياة الطيبة , لم يجعل مظلة السلام تؤلف بين أفئدتها المتناحرة , فعندما تتحقق العدالة والتوافق الفكرى بين البشر سيرعى الاسد مع الغنم ويضع الطفل يده فى جحر الافعوان

وهذا ما صنع كل الصراعات مع الغرب حتى الآن فعندما تعجز التصورات الغربية فى التوافق مع الشعوب وتحقيق السكينة الروحية والقبول العقلى فسيسرى فيها رغبة التمرد المحمومة خاصة اذا كانت تؤمن بمنطق القوة واقتناء السلاح كفريضة دينية ورغم أن سبينوزا له من الشطحات الفكرية الكثير والدانات العقلية التى غالبا ما تطيش الا أن الحق وافق الرجل حين قال " أن الرجل المسلح أكثر استقلالا من الرجل الأعزل " وميكافيللى نفسه يرى "ان المقارنة بين الرجل المسلح وغير المسلح معدومة ولا وجود لها اذ أنه ليس من العقل أن نفترض أن المسلح يخضع بمحض ارادته لغير المسلح "

ان قوة الافكار تضارع قوة السلاح وكلاهما جناحا أى منظومة سياسية راشدة

- قريبا بمشيئة الله تعالى ربما نفتح ملفات ساخنة وطازجة ....بالهناء والشفاء

قريبا بمشيئة الله تعالى