وحيث أن كتاب الامير يشكل العقل السياسى للقادة فى الغرب فاننا نقول بكل موضوعية أن الرجل قد أصاب فى هذا النقطة وهى أهمية القوة والترفع عن الرغبات المبالغ فيها الا ان هنالك خللا تسرب اليه لأنه اعتمد فقط الحرب والقوة رغم أهميتها الكبرى دون غيرها كسبيل لترسيخ الامارات فالخطأ فى اعتماد الحرب وحدها دون اللجوء الى قوة الافكار لأن الفكر أيضا له قوة تضارع قوة الحرب والاشكالية الغربية المعاصرة التى تعانيها بشدة هى ضعف الافكار المنتجة التى جاءت بها الينا وعدم قدرتها على المواجهة الشريفة فى الميدان واللجوء الى أساليب رخيصة عرجاء فى مواجهة نور الحقيقة الذى لا ينطفىء
وهذا ما أوقع الغرب فى المواجهة مع العالم الاسلامى انه يملك القوة والتقنية العلمية ولكنه يعانى من فقر فى المخاطبة الوجدانية والتنظيم الاجتماعى والقيم المثالية وعندما تدخل القوة فى صراع مع القيم حتما ستخسر وسترتد على أعقابها
ان الحرب وقوة الافكار صنوان لا يفترقان واذا اعترى احداهما الضعف أو الخوار انهار كلاهما فلابد للأفكار أن تمتلك القدرة على الاستمرار والقابلية للانتشاروالتراضى الداخلى انها مثل حبوب اللقاح المتطايرة عندما تجد من يوافقها تخرج مولودا جديدا وثمرة يافعة ناضجة فعندما رآى ميكافيللى أن الانبياء المسلحين انتصروا وحققوا نجاحات أكثر من الانبياء الغير مسلحين لأنهم استخدموا القوة لفرض ما يؤمنون به من قوانين نسى أن هذه القونين والتشريعات لها من القوة الفكرية التى توافق النفس البشرية وتتلاقى معها وليست متنافرة مع المنظومة الاجتماعية القويمة التى يحلم ويحتفى بها عالم البشر
فمهما امتلكت من قوة لن تستطيع أن تفرض قناعاتك على الآخرين الا اذا كانت تلك القناعات تتوافق مع العقل والوجدان مع الفكر والروح مع الواقع الاجتماعى والعدالة السياسية سأضرب مثلا لو أن مجموعة من المسجلين خطر قاموا بفرض سطوتهم على أحد الاحياء وجعلوا على العامة أوتاوات يدفعونها مرغمين بالطبع سيرضخ لها الجميع و سيتكيفون مع الوضع الجديد بل قد يتطوع البعض بالمساعدة وتقديم الخدمات أما حين يتدخل اؤلئك الاجراميون فى حياتهم الخاصة والشأن الاجتماعى هنا ستثور ثائرتهم وينتفضون للمواجهة
وهذا خطأ آخر وقع فيه ميكافيللى حين وضع تصورا الهزيمة للدولة التركية حيث يقول "أما الاسباب التى تجعل احتلال المملكة التركية صعبا فهى أن المحتل لا يمكن أن يأتى بطلب من أمراء تلك المملكة كما أنه فى سبيل تحقيق هدفه ألن يستطيع ن يعتمد على ذلك عن طريق ثورة يعلنها أؤلئك المقربون من شخص الحاكم حتى لو استطاع رشوتهم فلن يستطيعوا اقناع الشعب بتلك الثورة لذلك فانه كان من الواجب على كل من يفكر فى مهاجمة السلطان التركى أن يعتمد على قوته على على الضطرابات فى صفوف العدو حيث انه سيواجه جيشا متحدا ولكنه ان تمكن من النتصار عليه فلا يبقى أمامه الا الاسرة الحاكمة فاذا ما قام بالقضاء عليها لم يعد هناك ما يخافه أو ما يخشاه " والخطأ هنا أنه بعد الانتصار عليه وهذا ما حدث مع الخلافة العثمانية فانه حين يقوم بفرض ما يعتقد من منظومة حياتية ستصطدم مع قناعات الشعب ويحدث فوران بلا توقف
فمثلا مصطلح المواطنة يعانى من الاهتراء الكثير الذى يسخر منه أضعف الناس عقلا لأنه لا يضع الترابط الفكرى وهو الأهم فى الاعتبار ان الغابة ساحة للتعايش المشترك بين كثير من الحيوانات ولكن هذا التوحد فى أرض المعيشة لم يخلق التجانس بينها ويقيم الحياة الطيبة , لم يجعل مظلة السلام تؤلف بين أفئدتها المتناحرة , فعندما تتحقق العدالة والتوافق الفكرى بين البشر سيرعى الاسد مع الغنم ويضع الطفل يده فى جحر الافعوان
وهذا ما صنع كل الصراعات مع الغرب حتى الآن فعندما تعجز التصورات الغربية فى التوافق مع الشعوب وتحقيق السكينة الروحية والقبول العقلى فسيسرى فيها رغبة التمرد المحمومة خاصة اذا كانت تؤمن بمنطق القوة واقتناء السلاح كفريضة دينية ورغم أن سبينوزا له من الشطحات الفكرية الكثير والدانات العقلية التى غالبا ما تطيش الا أن الحق وافق الرجل حين قال " أن الرجل المسلح أكثر استقلالا من الرجل الأعزل " وميكافيللى نفسه يرى "ان المقارنة بين الرجل المسلح وغير المسلح معدومة ولا وجود لها اذ أنه ليس من العقل أن نفترض أن المسلح يخضع بمحض ارادته لغير المسلح "
ان قوة الافكار تضارع قوة السلاح وكلاهما جناحا أى منظومة سياسية راشدة- قريبا بمشيئة الله تعالى ربما نفتح ملفات ساخنة وطازجة ....بالهناء والشفاء
قريبا بمشيئة الله تعالى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق