فى لحظات تأمل ثاقبة جاء الى الطبيب أربعة مرضى تعتريهم نفس الحالة يشكون نفس الاعراض نزلة برد شديدة ارتفاع فى درجة الحرارة وفتور بالجسد ولكن رغم هذا التشابه الكامل أعطى لكل منهم علاجا مختلفا الاول كان رجلا فى الاربعين فأعطاه العلاج المعتاد والثانى كانت امرأة فى شهور الحمل الاولى فقام بتغيير العلاج والثالث كان طفلا دون العاشرة فكتب علاجا يراعى فيه الجرعة والرابع كان طفلا مصاب بأنيميا الفول فأعطاه قائمة بالأدوية المحظورة وكتب علاجا غير علاج المرضى الآخرين يا ترى هل مافعله الطبيب كان منافيا للعدالة هل يتعارض مع قيمة المساواة أم ان ما فعله كان هو الصواب لا ريب ان الفلسفة الغربية تشوب وتروب تصيب حينا وتخطىء أحيانا أخرى ولكن تنقصها ما قام به هذا الطبيب ...الحكمة
ان اشكالية القيم الغربية ليست فى الافلاس فالافلاس لا يكون فى القيم بل يكون فى الادوات والوسائل ولكنها اشكالية فى الفهم ثم الالتزام بها والتطبيق الشامل لها دون محاباة أو مجاملة ان الغرب يرى فى العدالة والمساواة والحرية والاخاء قيم على اطلاقها دون وضع التنوع البشر العقدى والبيولوجى فى الاعتبار فتراها يكتنفها الخلل حين تدخل حيز التطبيق والممارسة
لنعد الى مثال الطبيب حتى تتقارب الافهام ان العدالة تقتضى أن يهرع الطبيب الى تقديم الرعاية الصحية دون تأخير والمساواة تقتضى أن يقدم الخدمة الطبية بأداء جيد دون تمييز ثم بعد ذلك يكتب العلاج ولكن الحكمة وهنا يأتى الخلل فى العقلية الغربية ان يكون العلاج مختلفا يتوافق وظروف الحالة ان المساواة ينبغى أن تكون توافقية تتوافق مع المعتقدات الدينية والعادات العرفية والثقافات المختلفة ان نتوءات المفتاح يجب أن تتوافق مع القفل حتى تفتح لك الابواب لو أن الطبيب أعطى للطفل المصاب بأنيميا الفول نفس علاج الطفل الآخر لقد قام بتطبيق المساواة حرفيا التزم بها ولكنه جلب الضرر للطفل المسكين ولو أعطى الطفل الآخر علاج الطفل المصاب بالانيميا فقد حرمه من أدوية أخرى قد تكون أشد نفعا وأكبر تأثيرا من هنا يتضح ما يسمى " بالمساواة التوافقية "
فمثلا يجعل الغرب فى نظرته الساذجة الى الاسرة على انه استعباد من الرجل للمرأة وتركيع لها لأنه الحاكم القوى المستبد الذى يمتلك الموارد الاقتصادية وهى المخلوق الضعيف دون مراعاة أن الاختلاف البيولوجى يتطلب اختلاف فى الوظيفة وان الاسرة التى هى نواة السياسة الاجتماعية لا بد أن تكون فيها سلطة واحدة نهائية تحسم المواضيع المختلف عليها والا انفرط عقدها ومن ثم تفككت عرى المجتمع
كما أن القرأن حين تطرق الى هذا الامر جعل فى الخلفية جانبا وجدانيا يجهله الغرب هو المودة والتراحم الميل العاطفى المتبادل جانب وجدانى يحسم كثيرا من الامور ويلطف حرارة الاختلاف بينهما
عندما ننظر الى ما يدعى أنه مضايقات للنصارى وهذا محض افتراء يجب أن نتفق على مفهوم الحق هناك حقوق أساسية يتشارك فيها كل المنطوين تحت راية الدولة الطعام ,السكن ,الامن , التعليم يجب أن يحظى بها الجميع على السواء وهذا كان قائما تحت راية الدولة الاسلامية ولكن حين ننتقل الى دور العبادة فان الامر لا بد أن يتوافق مع مدة الصلوات , عدد الصلوات , عدد السكان فليس من المعقول فى ظل تقدم وسائل المواصلات أن يبنى بجوار كل بيت نصرانى كنيسة يذهب اليها مرة أسبوعيا ليقضى فيها دقائق معدودة انها الحماقة حين تكشف سترها
اما اشكالية القيم الغربية الثانية هى الالتزام بتطبيقها فى التعاملات الدولية وهذا يدرك الجميع فداحة التفريط فيه فحين يتراءى بريق المصلحة الشخصية يسيل لعابه نحوها وينسى ما كان يدعو اليه فكم من اتفاقيات نفطية سطرت بمداد من دماء وكم من مكتسبات تجارية تتم فى احتفالات صاخبة وفى الخلفية أصداء صراخ الجياع لا يسمع بهن أحد وكم من دعم ممقوت للاستبداد من أجل استمرار تدفق ثروات الشرق الذى يفيض لبنا وعسلا فى حين الاسرى يجهشون فى ظلم الليل بالبكاء يدعون ربهم وينشدون الخلاص من أجل معتقدات اختاروها أو مبادىء ينادون ومرضى يتألمون تشكو أعينهم الغائرة وافواههم عاجزة عن الكلام
وأطفال يذهبون ضحية اهمال متعمد لا يشعر بفقداهن أحد ان سياسات الغرب فى الشرق تمييزية دعنى أضرب مثلا حين غرقت احدى المراكب بفتيات نصرانيات فى النيل علا الصراخ والعويل ولطم الخدود والاعلان المتملق رفع عقيرته بالنواح فى حين أن تلميذات ذهبن ضحية السيول منذ عدة أيام لم يلتفت لهن أحد أوليس هؤلاء ضحايا السياسات الغربية الانتهازية التى ترسخ الاهمال والتخلف
ان العالم بحاجة الى عولمة جديدة عولمة على درجة من الوعى والمسئولية تلتزم بقيم خلاقة وشيم لا تعرف التقصير
ان أروع ما قاله فرنسيس بيكون فى معرض تعليقه على كتاب الامير لميكافيللى " انه يتعامل مع البشر كما هم لا كما يجب أن يكونوا " ان العولمة الجديدة لا بد أن تخرج لنا منتجا بشريا جديدا يخلع عباءة الفوضوية والأنانية المتوحشة ويرتدى عباءة أخلاقية منتجا بشريا جديدا يرى القيم هى الغاية القصوى لا يبيعها عند أول مشتر عولمة تتسامى فوق كل الاعراق والنعرات والعصبيات السفيهة وتقيم روابط جديدة بين بنى البشر بين أبناء آدم روابط فكرية أشد من روابط القرابة والنسب, فى الاديان السابقة كانوا يسمون " أبناء الله " لأنه تعالوا على كل الروابط المزعومة وجعلوا الله ملتقى ولاءهم وبراءهم حبهم وكراهيتهم انهم ولدوا من جديد ولكن بسبب السفاهة والحماقة والتدليس تغير الامر الى صفات أخرى "حزب الله , عباد الرحمن الذين لا يحملون مودة فى قلوبهم الا لمن أخلص للقيم وتعاليم الاله
...وأيدهم بروح منه
انها عولمة جديدة يستحقها البشر تحررهم من الانانية والمصلحة الشخصية يقول ديدرو "ان منبع السلوك الانسانى من صولجان الملك الى عصا الراعى ومن تاج البابا الى قلنسوة الراهب لا خفاء فيه ..انه المصلحة الشخصية "
ان العولمة الجديدة يجب أن تعيد صياغة العلاقات البشرية وبناء النفس الانسانية من جديد ومن هنا يأتى الاخاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق