لم يقرأ توماس هوبز لم يتصفح أوراق جون لوك لم يتأمل يوما ما سطرته أصابع روسو ولكنه كان على درجة من الوعى السياسى لا يمتلكه الكثير من ادعياء الثقافة فى هذا العصر رغم بساطة ملبسه وتواضع مظهره الا انه كان على قدر من الشجاعة لايعرفها من اعتادوا الهوان والتذلل يحكى لنا جلال الدين السيوطى عن ان الخليفة المأمون كان فى مجلسه يوم الثلاثاء يدارس الناس الفقه فجاءه هذا الرجل يشمر ثيابه يضع نعله تحت ابطه لم يرهي الحاضرين ومن يمتلك تلك المصارحة مع النفس كيف له أن يخاف وان كان الخليفة نفسه والملأ من حوله القى السلام ثم سأله " أخبرنى هل مجلسك هذا تجلسه باجماع الامة أم بالغلبة والقهر " انه يتحدث عن معضلة البشرية الأزليةعن شرعية السلطة الحاكمة التى تدير الشئون اليومية والحياتية للمواطنين أى رجل هذا الذى غفل التاريخ عن ذكر اسمه
ان شرعية الدولة تنقسم الى قسمين الاول شرعية الدولة نفسها ككيان قائم على هذا التجمع البشرى الكائن فى هذا المكان أو الاقليم ثم شرعية السلطة الحاكمة لهذا التجمع البشرى
فى الدولة الغربية المعاصرة اتفقوا على أن شرعية الدولة تكمن فى قيمها الحضارية التى ينبغى لها القيام بها ونشرها عبر المعمرة كلها ثم شرعية السلطة تأتى من العقد الاجتماعى القائم بين المواطنين والسلطة الحاكمة لتوفير أساليب العيش والرفاهية ولكن الغرب لم يحقق أيا منهما ومن ثم كانت الانظمة العربية الراضخة له تسير على نفس المنوال لقد فقدت الدولة العالمية المعاصرة شرعيتها لم تعد تستحق الوجود لأن الهدف الذى ألزمت به نفسها لم يتحقق
ان المظاهرات التى تجتاح فرنسا وبريطانيا واليونان تهدد العقد الاجتماعى الغربى بسبب تزايد نفقات الحروب ومحاولة المؤسسة العسكرية تدبير نفقاتها المالية الباهظة وليتحمل المواطنون عاقبة تلك الحروب كما أن قيم الحضارة الغربية لم تجد سبيلا للظهور فى الشرق الاوسط منذ تجربة اسرة محمد على لأن المصالح الغربية أهم من أى قيم مدعاة وهذا أمر ليس بجديد يقول الاستاذ سيد على أحمد الناصرى فى كتابه عن التاريخ السياسى للامبراطورية الرومانية "لهذه الحلول حاولت الحكومة الامبراطورية ذات السلطة العسكرية تأمين الدخول لنفسها وتجنيد الطاقات البشرية لشعوبها محدثة فوضى اقتصادية واجتماعية لم يسبق لها مثيل وعى حد وصف أحد الخطباء القدماء وهو يرحب بالامبراطور الجديد ويسب الامبراطور الراحل "ان الولايات ترتعد فرائصها خوفا وهى فى أغلالها مقيدة لقد انتشر المخبرون هنا وهناك يتنصتون الى ما يقوله الناس ولا واحد يستطيع أن يتكلم بحرية أو يفكر بحرية لقد قمعت الجوانب العادلة العاقلة للحرية " لقد أفسدت السلطة العسكرية والمخابرات الامريكية العالم كانوا يلجأون الى تجنيد العملاء عبر توريطهم فى خطايا وتدبير فضائح حتى يمكن لهم ضمان ولاء تلك الانظمة ورضوخها المهين وليس عبر منظومة من قيم نظم الحكم الرشيد فاجتاحت الفوضى العالم وكان لزاما أن تجتاحه فالفوضى العالمية يليها نظام جديد يتجنب الحماقات السابقة وتبدأ نواة سياسية جديدة تنمو وتخرج شطأها وتستوى على سوقها هكذا تكون نشأة الدول عبر التاريخ وهكذا ستأتى مملكة السماء كما أشار اليها المسيح "كانت كحبة خردل أخذها انسان وزرعها فى حقله وهى أصغر جميع البذور ولكن متى نمت كانت أكبر جميع البقول وتصير شجرة حتى أن طيور السماء تأوى اليها " متى 31:13
انظر الى ما يكمله الاستاذ سيد على الناصرى كنتيجة لسياسات الامبراطورية الرومانية القديمة "وهكذا تحمل المعوزون والفقراء الالم فى صبر ومعاناة وأحنى البرجوازيون رءؤسهم خوفا من سطوة الحكام العسكريين أو حرصا على ارضائهم حتى يتمكن بعض رجالها من التسلل الى الطبقة الحاكمة البيروقراطية الاقطاعية وأصبحت بروليتاريا المدينة عبيدا للطبقة الارستقراطية المحدودة العدد تعمل فى خدمتها وتعيش على خيراتها ولم يكن الزراع المعدمون أحسن حالا من العبيد أما جماهير الغوغاء فكانوا ينتظرون الاحسان من الدولة بالخبز والتسلية ولاهم لها الا أن يكون خبزها كفاف يومها "
أليس هذا هو المشهد العالمى أينما تولى وجهك تراه ملامحه فى أعين الشعوب تنطق.. تنوح... تبكى تراه فى الشرق الاوسط , تصرخ به أفريقيا , تتألم من مرارته أمريكا الجنوبية تعتصر وتتلوى من حماقاته آسيا أليس الجميع اما متملقون أو متسولون أين قيم الحضارة أين بناء الشخصية الانسانية لم تعد سوى دمية تمثل أو عروس تتحرك أو كائن هائم على وجهه يبحث عن الطعام وماذا كانت النتيجة كما يقول الاستاذ سيد على الناصرى نفسه " ولما يئست الشعوب من الاصلاح رفعت سلاحها ضد الامبراطورية الجشعة المستغلة حفاظا على وجودها " ان التاريخ ما هو الا حلقات تعاد وتتكرر تتفكك وتعيد تكوين نفسها مرة أخرى ان الرب حين تحدث عن هلاك الامم فى سورة البروج قال " انه هو يبدىء ويعيد "
أما عن شرعية النظم فى المنظور السياسى الاسلامى فله حديث آخر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق