وراء كل كارثة رجل دين أحمق هكذا يصرخ بوق التاريخ ولكن المنصيتين اختفوا الاقليلا عندما أراد تيمورلنك أن يغزو دمشق وبعد أن فر منها سلطانها واعتقل نائبه تصدى له أهل دمشق بشراسة ودافعوا عن مدينتهم باستبسال يستحق التقدير فقتلوا من رجال تيمور لنك أكثر من ألف وأسروا الكثير فأدرك تيمورأن المدة ستطول فقرر أن يغزو لهم بالحيلة وكان فيها بارعا فأرسل رجلين يناديان قبل الحصن أنه يريد الصلح فابعثوا رجلا منكم يفاوضه فاتفق أهل المدينة على قاضى القضاة بن مفلح الحنبلى وذهب الرجل للقاء تيمور ويا ليته ما ذهب
وارتدى الثعلب ثياب الواعظين فقال له تيمور ان مدينة دمشق هى مدينة الانبياء والصحابة وقد قرر أن يتركها صدقة لرسول الله عن نفسه وعن أولاده ولكنه يريد من خراجها كعادته وينصرف عنها فعاد بن مفلح ليلة السبت يثنى على أخلاق تيمور وحسن ايمانه وتقواه وينهى عن قتاله فقط اجمعوا له ماطلب وانه لقليل بالنسبة لثرائهم فى ذاك الوقت فحدث خلاف شديد ولكن ولم يأت الصباح حتى غلب أمر بن مفلح وتوعد كل من يناوىء تيمور لنك وجمعوا لتيمور ما جمع وذهب اليه الاعيان فأغدق غليهم تيمور ببعض الوظائف ولكنه لم يقنع وطلب المزيد
وأعطاهم فرمان بالامن والامان لأهل دمشق
ثم ما لبث أن جاء نائب تيمور ومنعت الجمعة وأخذ السلاح من المدينة وقبض تيمور لنك على بن مفلح وأجبرهم على رسم خرائط للمدينة ونكل تيمور بأهل دمشق أشد التنكيل وأذاقهم سوء العذاب ويبدو انه كان يستشرف المستقبل من وراء أستار خفية فقرر أن يدشن فرعا لسجن أبى غريب فى دمشق كان يوضع كمامة على أنوف المواطنين مغموس بتراب ناعم كلما تنفس دخل الى أنفه حتى يكاد المرء أن يهلك فيرفهعها عنه ثم يعيد الامر مرة أخرى كانوا يعلقون من الحبال وتوضع أسفلهم النيران أهتك أعراضهم بكل برود ثم أشعل النيران فى المدينة كلها
ايه يا بن مفلح أولم يكن بالاحرى ان تتركهم يقاتلون فقد أخذت أموالهم ونكلوا تنكيلا صدقة لرسول الله ...ونعم الصدقة
وعندما تولى يزيد بن عبد الملك الحكم خلفا لعمر بن عبد العزيز قرر أن يسير فى الناس بسيرة عمر فجاءه أربعون شيخا يقولون ليس على الخلفاء من حساب ولا عذاب ...هكذا بكل بساطة
فالدين والسياسة العلاقة بينهما متشابكة دوما ولا تزال يصيبها التوتر حينا ويصيبها الود حينا آخر لما له من أثر فى النفس البشرية وتحويل الانسان من كائن فوضوى الى كائن سياسى عاقل يندرج فى التنظيم الاجتماعى للدولة
ان بضاعة رجال الدين دوما رائجة لا تعرف البوارما ان يصيبها الكساد فى أرض حتى تنتعش فى أرض أخرى ما ان ينتابها قحط فى زمن فانها ما تلبث أن تزدهر من جديد حتى أشد الناس الحادا لهم خلفيات ثقافية دينية تكونت فى نشأتهم الاولى ان الدين يخاطب نصف الطاقة البشرية الطاقة الروحية ليصبغ النصف الآخر لذلك كان دوما العوبة فى أيدى السياسيين عندما يقومون بالشرور من الاعمال يقولون أنهم يبرأون للدين أن يختلط بهذا الدنس فاذا ما تملمت الشعوب وضاقت بهم ذرعا يهرعون اليه يلبسون ثوب الخشوع الزائف ويتقربون الى الجماهير ويتظاهرون بما لا يعكس دواخلهم ورجال الدين يتاجرون بالنصوص المقدسة ليشتروا بها ثمنا قليلا فكانت طبقة الكهنة عبر التاريخ يخدعون ويتاجرون واذا برجال الدين أكثر حرصا على مباهج الدنيا أكثر من أهلها فكانت البشارة الالهية بالشريعة الخاتمة كما جاءت فى التوراة فى سفر ارمياء فى الاصحاح الحادى والثلاثين "وأجعل شريعتى فى دواخلهم وأكتبها على قلوبهم "
لقد كانت اشكالية رجال الدين عبر التاريخ تتزايد زمنا بعد آخر حينما أصبحت السلطة الحاكمة تواجه أزمة صلاحية وشرعية حقيقية فانقسم رجال الدين ثلاثة أقسام الاول أدار ظهره للسلطة وآثر الابتعاد عنها وأخذ بتحدث فى الحيض والطهارة يزيد ويكرر وكلما قتلهم الفراغ يتكلمون فى فروع الفروع المتفرعة وقسم حسم أمره انحاز للسلطة يدور معها حيثما ذهبت دروعا واقية لها تحميها من أى آراء مضادة وقسم أبى الا الاعلان عن الكلمة الصادقة مهما بلغت قسوتها لا يقبل فيها مجاملة أو تنازل كابن جبير وابن حنبل وبن عبد السلام
ان السياسة والدين لا ينفصل كلاهما عن الآخر فالدين يهذب السياسة ويكبح جماح منتسبيها الذى لا يعرف التوقف ولا يرى نقطة نهاية والسياسة تحمى الدين من الذين يعملون دوما على النيل منه وتحطيم أركانه وعلى رجال الدين الذين يعانون حاليا من أزمة شديدة بسبب سذاجتهم السياسية المفرطة وجشعهم اللامحدود أن يتغلبوا عليها حتى لا نقع مرة أخرى فى براثن تيمور لنك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق