هل تقوم الحياة على الصراع أم تقوم على التعاون أم انها تقوم على الاثنين معا تعاون يغذى الصراع وصراع يدفعك الى التعاون دفعا دعونا نوضح الامور أكثر
ذكرتنى الانباء الواردة من الجنوب الأمريكى عن تلك الأعاصير التى تمارس هوايتها فى حصد الأرواح ويد الردى التى تأبى أن تمضى دون أن تصحب معها المئات ذكرنى ذلك بما ذكره ول ديورانت فى قصة الحضارة عما حدث فى الاول من نوفمبر عام الف وسبعمائة وخمس وخمسين فى التاسعة وأربعين دقيقة فى احتفال عيد كل القديسين حينما امتدت أصابع القدر الى القشرة الأرضية فى لشبونة فاهتزت واهتزت معها القلوب والمبانى فى ست دقائق فقط هدمت ثلاثين كنيسة وألف منزل وقتل خمسة عشر ألف شخص وأصيب مثلهم بجراح خطيرة وتصاعدت المناوشات اللفظية وكثر اللغط والتساؤل لم اختارت أياد القدر تلك المدينة ولم تلك الساعة لتفاجئها بهذا الزلزال الرهيب فقال البعض انه عقاب السماء على الرذيلة المتفشية فأجاب البعض الأخر ان الذين قضوا هم من المتواجدين فى المعابد لا المراقص ان معظم القتلى من القساوسة المتبتلين والراهبات ويقول ديورانت وربما هلل المسلمون لما حدث بسبب أهوال محاكم التفتيش ولكن المسجد الكبير فى الرباط والذى يحمل اسم المنصور تهدم أيضا ولكن يا سيد ديورانت انها اشارة السماء الى أؤلئك الذين تقاعسوا عن نصرة اخوانهم الذين أثخنتهم محاكم التفتيش ورفعوا شعارات لا تتواجد على الواقع بشكل فعلى.... ان الله يدافع عن الذين أمنوا فبعدما سكنت آهات المعذبين وبالت عظام الضحايا وظن الجميع أن الغيوم قد انقشعت وأضحت السماء صافية جاء عقاب الأقدار .....ان موسى قال لفرعون ...لا يضل ربى ولا ينسى هنا لك انتفض فولتير وهبت على عقله نسمات من الحكمة المغلفة ببعض الشوائب فقال ما ذنب أؤلئك الاطفال الذين سالت دماؤهم وهم فى أحضان أمهاتهم و هل رذائل لندن وباريس أقل من رذائل لشبونة ان لشبونة قد دمرت ولكن باريس لا تزال ترقص ثم قال وصفا رائعا للدنيا القاتمة كما رآتها عيناه
" ان الصقر الضارى ينقض على فريسته المخلوعة الفؤاد ويتلذذ بالتهام أوصالها الدامية وكل شىء يبدو فى نظره على ما يرام ولكن سرعان ما يأتى نسر كاسر ويلتهم بمنقاره الحاد الصقر بدوره ثم يعاجل الانسان النسر المتكبر بطلقة تصيب منه مقتلا ويتوسد الانسان التراب على أرض المعركة ينزف الدم وقد أثخنته الضربات وسط كومة من الموتى وهكذا تئن الدنيا بكل من فيها حيث ولدت لتشقى وتعانى ويكون مصيرها الموت المتبادل ...ان العناصر والحيوان والانسان كلها فى صراع فلنعترف بأن الشر ملأ الأرض واستشرى فيها "
وأقول هكذا تقوم على الحياة على الصراع ولكنه الصراع المتوازن ان أى حلقة مفقودة في تلك الدائرة ستجعل احد الكائنات يفرض سيطرته على الأرض ويعيث فيها فسادا ان النفس البشرية حين تستقيم لها الامور وتسير وفق ما تبغى فانها تركن الى الراحة والمتعة وحين يأمن الانسان من الخوف فانه ينصرف الى اشباع الغرائز ويغط فى سكرة الهوى لا يستفيق منها الا بأحداث جسام تهز الرؤوس المخمورة لعلها تعود الى صحيح الطريق وما يسرى على الافراد يسرى على الدول والامم والحضارات من زلزال اليابان الى بركان أيسلندا الى أعصار كاترينا ان هناك يدا أعلى تدير الكون
فى سورة الحديد يوضح الرب أن أى مصيبة تحدث هى مسطورة فى كتاب قبل أن ترى حيز الوجود وقبيل خروجها الى الواقع المنظور ويبين العلة "لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " فالأحداث حين تأتى تهدف الى تقويم السلوك البشرى
ولكن وسط هذا الصراع المرير توجد مظاهر للتعاون بعضها يؤتى بثمار تتلذذ بها الاجواء كما فى النبات الذى يمد الكوكب بالطاقة وهناك تعاون أخر يأتى بثمار كريهة تصب عليها اللعنات كتلك الطيور التى تنظف أسنان التمساح ليستعد لالتهام فريسة أخرى وتنذره بالخطر حين يقترب
هكذا تقوم الحياة على صراع وتعاون وتدير دفته يد القدر التى تأبى الا اقامة العدل وتحقيق الخير للبشرية جميعا
ولذلك فان الاعاصير سوف تستمر فى الاندفاع وريح الدمار لن تتوقف عن الهبوب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق