أصبح الخداع صفة تتسم بالايجابية فى العلاقات الانسانية المعاصرة وكلما كانت لديك المهارة فى اتقان هذه الصفة أغدقت عليك كلمات المدح والاطراء من رؤسائك الأشرار وأصبح العالم كله يطفو على بحيرة من الخداع ترتكب الحماقة وتلصقها بالآخرين وأضحت كل المجالات لا تخلو من أصحاب هذا الفن الفاسد الجذاب فمثلا فى المجال الاقتصادى يقول المؤلف فورست أفهيلد فى كتابه اقتصاد يغدق فقرا الصادر عن سلسلة عالم المعرفة عن شركة Nike "لقد نقلت هذه الشركة الامريكية انتاجها الى اندونيسيا وهى تستخدم فى موطنها الجديد صبايا وفتيات فى مقتبل العمر لقاء أجر أدنى من الأجر الذى تحدده القوانين كحد أدنى وبحسب تقدير نشرته منظمة العمل الدولية تعانى 88% من العاملات من وطأة سوء التغذية واذا كانت تكاليف زوج الأحذية لا يتجاوز اثنا عشر سنتا أمريكيا فان زوج الأحذية هذا يباع فى الولايات المتحدة بسعر يتراوح بين ثمانين دولار ومائة "انهم يستغلون الرغبة الانسانية فى التفاخر وحب الظهور مع بعض الدعاية الضخمة ليجنوا من ورائك الأرباح الطائلة انهم فقط يشبعون تلك الرغبات الانسانية المتطلعة وكان الفيلسوف اليهودى الشهيرفيلو يقول عن بنى جلدته انهم سحرة النقود فهم يجيدون طرق الوصول اليها ولقد جاء فى الحديث أن اللعنات تطارد تلك الفئة منهم التى حرم عليهم الشحوم فاذا بهم يقومون ببيعها والتربح بأثمانها.... واذا حرم الله شيئا حرم ثمنه
انه غص فى حلوقهم أن يتركوها هكذا دون استغلال وأن يلقوا بها فى قارعة الطريق دون انتفاع انه ذكاء أن تستغل كل ما لديك من موارد ولكن يجب أن يكون فى اطار أخلاقى فالخداع لا يكون مقبولا الا على طريقة يوسف عليه السلام حين لم يأخذ اخوته فى دين الملك انه التزم بالضوابط الأخلاقية وقام بتحقيق غاية سليمة
ان الخداع فى أمور الدين والسياسة أمر تنتهجه الدول والطوائف الدينية من أجل تسويق سياسات أو تحقيق منتفعات وذلك لما للدين والسياسة من توافق فى استهداف الجماهير والتأثير عليهم وللدين أثر عظيم فى شحذ الطاقة الروحية ودفعها للارتقاء وتوجيه مسيرة الفرد فلا ينفك السياسيون يستخدمون أية وسيلة لتحقيق التأثير المطلوب فجعلوا الدين وسيلة وليس غاية فى ذاته أصبح مطية وليس امتثالا لأوامر الهية ومنظومة تشريعية تقيم العدل وتحمى الحقوق وترشد العقول الى صحيح السبيل خاصة حينما تهب عليها عواصف التيه الهوجاء من كل مكان والادارة الأمريكية تجيد الاتجار بالدين ببراعة فيقول الكاتب السوفيتى ميران مشيدلوف فى كتابه الدين فى العالم اليوم ترجمة الاستاذ جمال السيد ويبدو أن الكاتب كان يعض الأنامل من الغيظ وهو يرى الشيوعية تندحر أمام الوحش الامريكى فكتب يقول "ويلجأ رجال السياسة البرجوازيين فى الولايات المتحدة مثل غيرهم فى البلدان الرأسمالية الأخرى الى محاولات الخداع الدينى من أجل تبرير أنشطتهم المعادية للشعب ويحظى هؤلاء بتأييد منظمات الكنيسة والتابعين لها من الأجنحة اليمينية " ويقول "ليس من قبيل الصدفة أن رجال الدين المسيحيين يحظون بتأييد الساسة الذين يلجأون الى الدين للحصول على تأييدهم للحصول على تأييده لسياساتهم المعادية للشعب وعلى أية حال فان الساسة يحصلون على ذلك التأييد بشكل أو بآخر" وهكذا فعندما كانت الشيوعية هى العدو الأول للسياسة الأمريكية فانه لجأت الى رجال الدين لمباركة توجهاتها ولكن الآن أصبحت المنظومة التشريعية الاسلامية هى العدو الأول للادارة الأمريكية لذا فهى لا تتورع عن استخدام بعض رجال الدين عندنا وعقد الصفقات مع بعض الجماعات لتضليل الشعوب وصرفها عن الطريق الصحيح والمتاجرة بالنصوص وفبركة بعض السيناريوهات التى يتم طبخها فى السراديب السرية لتشويه صورة الشريعة حين تخرج الى حيز التواجد بين الناس انه الخداع الذى يعيش بيننا منذ الأزل والذى أخذ الآن صفة منهجية يتم تدريسها واتقان فنونها يقول ميكافيللى "ان من يتقن فن الخداع يجد دائما من هم على استعداد لأن تنطلى عليهم خديعته وسنكتفى بذكر مثال واحد فى عصرنا فالبابا أليكسندر السادس لم يقم بأى عمل سوى خداع الآخرين ولم يكن يشغل تفكيره الا ذلك الأمر حيث كان يجد الفرصة دوما للنجاح فى خداع الآخرين ولم يوجد من يفوقه فى مهارة تقديم الوعود واغداق التأكيدات وكان يدعم ذلك بأليمان المغلظة فى الوقت الذى لم يكن هناك من هو أقل منه تمسكا بها وتمكن من تحقيق النجاح دائما فى خداعه " وةكان يرى أن غالب البشر من الدهماء الذين تنطلى عليهم تلك الخدع والدهماء دوما تغرهم المظاهر والأحداث فاذا كان ميكافيللى يرى الغالبية دهماء من السهل خداعها فان أفلاطون كان يرى دوما الجهلاء عبئا فى جمهوريته ويجب التخلص منهم وبين هذين المنطقين كان المنطق الاسلامى الذى يحمل كل فرد المسئولية التامة عن تصرفاته وأفعاله ولن يجديه نفعا أن يسوق مبررا أو أن يأتى بجملة من الأعذار فيقول "وكل انسان ألزمناه طائره فى عنقه " "بل الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره " فليستفق كل شخص ويعلم جيدا أن يقف ولا يظن أن الامر اذا وضعه فى رقبة شيخ معمم أو سياسى مخضرم أنه أصبح مجردا من المسئولية وأنه قد أنهى مهمته فاننا نعيش فى زمن الثعالب المتكاثرة ان نتشار هذا النهج المخادع فى العالم جعل الحياة البشرية فى أكثر الاوقات صعوبة وأكبرها انحدارا واذا كان البعض يرى فيه وسيلة للتكسب دون النظر الى صحة الوسيلة المستخدمة فان البشرية قد خسرت الكثير وأصبح الجحيم واقعا حولنا ولكن وسط هذا الظلام الدامس كله سيخرج بريق النور ورحيق الخير وتعود الى الأرض مدينة العدل كما جاء فى سفر اشعياء فى الاصحاح الأول عندما تعود الى الأرض المقدسة المملكة الراشدة كما صح فى الروايات الاسلامية حيث يقول " لذلك يقول السيد رب الجنود عزيز إسرائيل: آه إني أستريح من خصمائي وأنتقم من أعدائي وأرد يدي عليك، وأنقي زغلك كأنه بالبورق، وأنزع كل قصديرك وأعيد قضاتك كما في الأول، ومشيريك كما في البداءة ।بعد ذلك تدعين مدينة العدل، القرية الأمينة "
- المقال القادم بمشيئة الله تعالى علمى حيث يدور حول الزمن هل هو توقيت أم تأثير فى ضوء قوله تعالى " وان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون" وقول الحوارى الأكبر "ان يوما عند الرب كألف سنة وان ألف سنة كيوم واحد "
بمشيئة الله تعالى