عندما كنت فى مقاعد الدراسة لم أكن أدخل فى اشتباكات أومشاحنات مع بقية التلاميذ ولكن هذا لا يعنى أننى لم أكن أقوم ببعض المواقف الطريفة أذكر جيدا عندما كنت فى الصف الثالث الابتدائى أن تلاميذ الصف الرابع كانوا يعتدون بالضرب بشكل شبه يومى على تلاميذ فصلى فى الطابور وقبل الصعود الى ساحات الدرس فاقترحت على أولئك البائسين أن ينقسموا الى قسمين وكان فى المدرسة وقتها مبنى جديدا
فيقوم قسم بمهاجمة اؤلئك العابثين بينما يقوم القسم الآخر بالاستدارة من خلف المبنى الجديد ويهاجمونهم من الخلف فيكونوا بين فكى الراحة فاوسعوهم فى هذا اليوم ضربا غير مسبوق فذهبوا الى شقيقى الذى كان يكبرنى بعامين ومعى فى نفس المدرسة يشكوننى اليهاننى أتذكر هذا الامر وكأنه قدحدث بالامس
لم أكن أحب الجلوس فى مقاعد الفصل الاولى كنت دوما أعشق الجلوس فى المقعد الثالث أو الرابع يمينا أو يسارا ولم أكن أهتم بأن يتعرف المدرسون على شخصى والذى كان يحدث بعد ذلك فى الامتحانات الدورية وقد كانوا يفاجئون بى أوعندما يأتى أحد الموجهين الى الفصل هنالك أعرف يدى طالبا الاجابة فى الصف الخامس الابتدائى أتذكر جيدا حين رفعت يدى للتعليق على معركة حطين فقلت للموجه وقتها " ويقول أحد المؤرخين لو رآى أحد القتلى قال ما كان هناك أسرى ولو رآى أحد الأسرى قال ما كان هناك قتلى " فانبهر الرجل بمن يستدل بالمؤرخين وهو فى سنينه الاولى ولم يكن ذلك سوى غرس شقيقى الذى يكبرنى بخمس سنوات ولكن الفرقة الرابعة فى طب القصر العينى كانت مرحلة فارقة فى حياتى
ففى هذا الوقت كانت مصر تموج بالمواجهات بين النظام والجماعات الاسلامية ووقعت فى يدى نسخة من التوراة والانجيل فقررت أن أخوض هذه التجربة وأغوص فى قراءتهما اعترانى الخوف فى البداية ولكن وجدت الكثير من العلماء كابن القيم وبن حزم قد سبقانى اليها فتخلصت من هذه الرهبة وخلعت رداءها بكل شجاعة فوجدت المفأجآت تتوالى بعضها خلف بعض وأدركت حينها أن العالم مقبل على تغييرات كبرى لم تتضح ملامحها بعد حتى جاءت أحداث سبتمبر وأيقنت كما قيل فى الغرب أن ساعة القيامة قد دقت ثم كان التوجه الى الكتابة عبر الشبكة العنكبوتية وتأثرت خلالها بفلاسفة الثورة الفرنسية الى حدكبير رغم اختلاف الايديولوجيات والمنطلقات الى أننى أعجبت باخلاصهم الشديد وقدرتهمعى تحمل المضايقات فى سبيل القناعات الفكرية كما أننى قررت أن أناقش كل المواضيع وعرضها للتحليل دون خوف أو هلع والمضى قدما فى المناقشات دون ثمة تردد يقول دالامبير عن زمنهم "أطلق قرننا على نفسه قرن الفلسفةبغير منازع فمن أصول العلوم الدنيوية الدنسة الى أسس الوحى ومن الميتافيزيقا الى مسائل الذوق ومن الموسيقى الى الأخلاق ومن حقوق الامراء والملوك الى حقوق الشعوب كل شىء موضع دراسة وتحليل وحوار ونقاش ليس من بيننا من ينكر أن الفلسفة أحرزت بيننا تقدما ان العلوم الطبيعية تقدم لنا فى كل يوم ذخرا جديدا واتخذت كل أشكال المعرفة تقريبا أشكالا جديدة " وحملت المشعل فى يدى وأحرقت كل الجسور من خلفى وانطلقت لا أعرف للتراجع سبيلا ورسمت لنفسى اطارا حالما من العيش والحياة قررت أن أحيا حياة النساك.. وأفكر كما يفكر الفلاسفة .. أن ألهوكما يلهو الأطفال.. وأن أقاتل بعزيمة الفرسان وثبات الشهداء ...أن أطير فى خفة الفراشات وأحلق فى الآفاق كالطير فى جوالسماء ....كأسراب الحمام تغدو يمنة ويسرة ثم ما تلبث أن تعود الى أعشاشها
يا الهى ماذا أقول أسراب الحمام انها استراتيجيتى للكتابة عبر الشبكة العنكبوتية
هناك مراحل ثلاث تمثل علامات بارزة فى تاريخ البشرية اختراع الكتابة لتخليد التراث الانسانى وتوارثه جيلا بعدجيل مما يؤدى الى تراكم العلوم والمعارف ثم اختراع الطباعة حيث استطاع فلاسفة فرنسا مخاطبة عدد أكبر من الجماهير وأكثر عددا ثم اختراع الشبكة العنكبوتية التى جعلت الأرض كلها كتلة واحدة تتلاشى فيها الحدود والحواجز تأثرت بمقولة للمخرج يوسف شاهين فى فيلم المصير حين كتب على الشاشة هذه العبارة "الافكار لها أجنحة لا يستطيع أحد أن يمنعها " ها هو الفضاء العنكبوتى ولأطلق الافكار خلاله كأسراب الحمام تدور دورتها فى الأرض ثم ما تلبث أن تعود الى الوطن محملة بنسمات الاصلاح وأحلام المستقبل كنت أقف فى شرفة منزلنا أوعلى شاطىء النيل القريب من منزلنا أنظر الى تلك الاسراب المحلقة فى جو السماء بحرية وشموخ أسائلها.... متى تهب ريح التغيير على وطنى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق