فشلت الدولة المدنية الحديثة فى فض الاشتباك بين المواطنة والهوية الدينية مما يجعلها عرض للتوترات والمواجهات العرقية من حين لآخر التى لا تحتاج فقط الا الى عود ثقاب بسبب بنيانها الهش وضعف الروابط بين أبنائها وفشلت كبوتقة فكرية تنصهر فيها الملل والمذاهب المختلفة لأن حب الوطن لن يستطيع أن يملأ الفراغ الروحى انه لا يجيب على الاسئلة الحائرة وأصبح مصطلح المواطنة يخضع لتفسيرات متعددة كل يراه حسب هواه ومصالحه الخاصة فأصبحت المواطنة عند البعض الحصول على نصيب من كعكة الوطن وأصبح عند البعض الآخر طمس الهوية الدينية ومحوها تماما كم ان التعامل مع هذه القضية يتسم دوما بالسفه الاعلامى الذى لا يعى شيئا ولا يخلو من شطط والارتخاء السياسى والارتباك الامنى
ان المواطنة فى الفلسفة السياسية مصطلح مطاطى متغير ليس له تعريف محدد فالجمهورية الافلاطونية تقوم على عدم المساواة بين أفراد الوطن وتراه قمة العدالة وعند آخرين ليس كل القطنون فى الوطن هم مواطنون فيتم استثناء الاجانب والمرأة والطفل الشيخ الهرم الكبير
وفى المجتمعات الدينية يختلف أيضا تعريفها ففى المجتمع الاسلامى يكفى النطق بالشهادتين وفى المجتمع اليهودى من كانت أمه يهودية وفى المجتمع النصرانى الرضا بصلب المسيح أما طبيعة المسيح فتخضع لحاتك النفسية أو طموحاتك العائلية
وبسب هذا التباين الشديد دعونا نتفق على الغاية من المواطنة جاء فى كتاب السياسة لارسطو طاليس مصحوبا بتعليقات من الفرنسى بارتلى سانتهلير بأن " المواطن كالملاح هو عضو جماعة ففى السفينة لكل خدمة مختلفة الجداف الربان ولكن الغاية المشتركة هى سلامة السفينة فرغم اختلاف سعى كل منهم واختلاف وظائفهم فان سلامة الجماعة هى عملهم المشترك "
اذن تلك هى غاية المواطنة ولنقل الامر على أرض الواقع فى المجتمعات التى بها أقليات عرقية الامر سهل تطبيق القانون على الجميع بلا استثناء دون مجاملة أو محاباة ولكن الاشكالية تأتى من الأقليات الدينية حيث لها منظومتها القانونية والتشريعية الخاصة بها فهل يتم وضع منظومة قانونية وضعية تتصادم مع معتقداتها الدينية فان التوترات ستشتعل لا محالة من حين آخر كما كان يحدث بين اليهود والامبراطورية الرومانية قديما كما أن تلك المنظومة القانونية الوضعية لن تحترم بالقدر المطلوب ليس لفشلها فقط فى التعاطى مع الطبيعة البشرية بل لعدم صدورها من سلطة أعلى تمتع بحالة من القدسية
فكيف يكون الحل اذن يعطى للمجموعات الدينية الحرية فى الاحتكام الى شرائعهم وشعائرهم ثم يكون هناك عقد اجتماعى بينها يقوم على الصيغة الاسلامية لهم مالنا وعليهم ما علينا وأى خلل يحدث سيدفع من أخل الثمن كما حدث فى مجتمع المدينة فى العقد الاجتماعى بين المسلمين ويهود بنى قريظة فحين تم التوافق بينهم ثم تنكر له بنوقريظة كان ما كان
عندما جاء نابليون الى مصر نصحه مستشاره بأنه سيخوض حربا مع ثلاث الانجليز وتركيا والثالثة وهى أصعبها ضد المسلمين ورغم أن المعلم يعقوب كون فرقة نصرانية تحارب معه ورغم مجىء كاثوليك الشام تحت راية المدعو جوزيف حموى وتقديم العون لنابليون الا انه اختار التقرب الى المسلمسن يقول روبير سوليه فى كتله مصر ولع فرنسى "وعلى أى حال كان حماس الجنرالات الفرنسيين للاسلام ينزل عقابا على المسيحيين المحليين ومن المؤكد أن نابليون كان يستخف بهم فقد حذر كليبر من منحهم حريات وكان يتمنى دوما أن يظلوا أكثر خضوعا واحتراما للامور الخاصة بالاسلام كما كانوا من قبل وقد شرح ذلك ببرود مهما فعلت معهم فسظل المسيحيون أصدقاءنا دائما واذا كان نابليون قد أسند اليهم مهمة جباية الضرائب فقد فعل ذلك مضطرا وليس لرفع مستواهم الاقتصادى "
اننى أدعو نصارى مصر الى أن يقرأوا التاريخ جيدا وأن يقرأوا أيضا انجيل متى حيث يقول المسيح "لا تدينوا كى لا تدانوا لأنكم بالدينونة التى بها تدينون تدانون والكيل الذى تكيلون بها يكال لكم ولماذا تنظر الى القذى الذى فى عين أخيك وأما الخشبة التى فى عينك فلا تفطن لها " متى 1:7 حقا أزيلوا الخشبة التى فى أعينكم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق