أخبرتنى الممرضة بأن شقيقتها قد ملت الحياة فى السويد وأنها تريد العودة الى مصر فأجبتها أجل لكى تقف فى طوابير العيش
هذا الحوار المقتضب أثار فى داخلى مشكلة البشر الحائرة وهى مشكلة السعادة لدى الجنس البشرى تلك الغاية التى ينشدها الجميع على الأرض تلك الغاية التى يلهث الشرق والغرب خلفها يريد أن يظفر بها فما هى السعادة وهل ستتحقق بالفعل على الأرض هل ستتحقق فى عالم يقاتل من أجل المتعة الشخصية المادية فما بال كل منا يمزقه القلق
وان لم يكن الذين يعيشون فى السويد يشعرون بالسعادة فمن يشعر بها اذن
هذا التساؤل قد قفز قبل ذلك الى خاطرى عندما سمعت عن تلك المرأة البلجيكية التى أنعم الله عليها بالاسلام ثم انطلقت لتقوم بعملية استشهادية فى العراق كيف لها أن تفعل ذلك ما الذى كانت تبحث عنه ما هو احساسها وهو تسرع كى تفجر حزامها الناسف فى القوات الأمريكية ما الذى وجدته فى عملها هذا ولم تنعم به فى بلجيكا لذلك فلنناقش هذا الامر بكل صراحة البحث عن السعادة
- يختلف تعاطى كل منا مع هذا الهدف تبعا لأفكاره وأهوائه و لكن ليس بالضرورة أن تكون صحيحة أو مشروعة وبالتالى ليس بالضرورة يحققها فبعدما يستجيب لأفكاره أو أهوائه التى غالبا ما ما تكون قاصرة لا يشعر بالسعادة قد يرى الروسى السعادة فى زجاجة فودكا ويراها الامريكى فى مواعدة فتاة فى حانة ويراها الانجليزى فى فوز مانشستر يونايتيد ويراها المصرى فى الفوز بفرصة عمل ولكنها سعادة لحظية وقتية لا تشبع نهما روحيا يبحث عن السكينة والهدوء
- ان السعادة هى احساس داخلى ينتاب المرء فيشعر فيه بالرضا والاطمئنان
يراها البعض فى اثبات الذات و ارضاء النرجسية النفسية والاحساس بالتعالى على الاخرين وميادين اثبات الذات تختلف من شخص لاخر من النساء أو المال أو الشهرة أو التفوق العلمى فترى الطاقات البشرية تتفجر لقوى دفع فى هذه المجالات المختلفة ولكن ويا للعجب بعد أن يصل الانسان الى مبتغاه يصاب بعدها بنوبة اكتئاب شديد
سألت نفسى يوما ان ممثلات هوليود ينعمن بكل شىء .. كل شىء أموال شهرة حياة صاخبة ومع ذلك تراهن يكافحن القلق القاتل والاحباطات المتكررة وقد يدفع بعضهن الى الانتحار فكيف لا يشعرن بالسعادة
- ذات يوم رأيت الناس مجتمعين على أحد المقاهى يتابعون احدى مباريات كرة القدم ولم يتبق الا دقائق معدودة والدورى يكاد يضيع الكل يترقب الجميع قد حبس أنفاسه المختلطة برائحة الدخان المنبعثة من أحجار الشيشة وفى الدقيقة 93 جاءهم الامل عبر هدف قاتل صرخ الجميع هلل الجميع هتف الجميع ثم بعد ذلك عاد الجميع الى أحزانهم يا الهى أين تكون السعادة اذن ان ما كانوا فيه نوع من الهروب من الواقع المحبط الى شىء يتم فيه افراغ الطاقات الهائلة دون ملاحقات أمنية وهذا ما يسمى بالالهاء الذى كا ن يعنيه باسكال { الالهاء هو تحويلنا عن التفكير فى أنفسنا وفى وضعنا البشرى وأيضا عن الطموحات الرفيعة وعن معنى الحياة والأهداف الأسمى } هذا لا يعنى ألا تشاهد مباريات كرة القدم بل الترويح مطلوب وهو المباح كما فعل النبى محمد صلى الله عليه وسلم حينما كان يشاهد ألعاب صبيان الجبشة ولكن لا يتحول الترويح الى الهاء مذموم يكون سبيلا لخداع البشر وصرفهم عن التفكير فى حياتهم اليومية الكئيبة
ولكننا لم نصل بعد الى مفاتح السعادة
- يحدثنا جاك الول صاحب كتب خدعة التكنولوجيا عن النموذج البشرى المثالى الذى ينبغى أن يسود العالم ويقول انه ليس هناك فلاسفة أوعلماء اجتماع أو علماء نفس يخبروننا عن كنه النموذج البشرى المثالى الذى علينا اعادة انتاجه بواسطة أساليبنا التقنية نحن نعرف كيف ننتجه لكن من هو؟؟ وفى النهاية يصل الى أنه سيكون مجرد نموذج مبرمج على ما سيكونه كما أراد الذين أوجدوه وليس كما يريد هو أى أنه لن يتمتع بالحرية والحرية أمر غال وهل باستطاعة أى فرد أن يكون مثاليا دونها }
وهذا أمر هام ما هو النموذج البشرى المرتقب هل هو النموذج المستهلك على الطريقة الرأسمالية لا هم له الا ارضاء الغرائز والرغبات الملحة فما لمشاهير العالم الرأسمالى فى العيادات النفسية
أم النموذج الاسلامى الذى يرى فى الحياة فترة انتقالية لغاية أكبر و أن له دورا نحو المحيطين به والساكنين معه
على هذا الكوكب
هل النموذج الرأسمالى الغربى يتمتع بالحرية رغم كثرة الحديث عنها أم أنه ينصاع دون أن يدرى الى ما يمليه عليه الاعلام الموجه والمدفوع من بعض القوى والاتجاهات
أم النموذج الاسلامى الذى لا يرى سلطانا على الانسان الا خالقه ولا حاكما له الا كتابه
- تقول الأبحاث الغربية الحديثة أن الانسان يشعر بالسعادة عندما ينفق من ماله ويعطى الاخرين أو يعيش لهدف اخر أكبر من نفسه وهذه حقيقة فهل الذين رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها وتخلفوا عن القيام بأدوارهم الحقيقية فى سبيل متاع زائل أو هدف رخيص هل يشعرون بالسعادة بالطبع لا
لذلك فان الكفاح من أجل الحرية سعادة وفى رأيى أكبر من الحصول على الحرية ذاتها لأنه بعد الحصول عليها ستشعر بعدها بفترة من الفتور والملل وقد تشتاق نوعا ما الى أيام الاستبداد وألاعيب الحزب الوطنى لتكافح من جديد هذه حقيقة فبعد الوصول الى الهدف قد تبحث عن هدف جديد فان لم تجد فان أنياب الملل ستقتلك فيا أيها المكافحون من أجل الحرية استمتعوا بكفاحكم أما أؤلئك الخانعون فلا سعادة لهم البتة
- عندما تأملت حال القاعدين عن غزوة تبوك الذين تخلفوا عن رسول الله يصف لنا القرأن الكريم حالتهم النفسية بقوله {فرح المخلفون } نعم انهم يشعرون بفرح ولكنه مؤقت فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا فحال الفرح العارض سيتبدل الى بكاء وحزن دائم , قد يكون سبب قعودهم وتخاذلهم هو الحرص على الدنيا , منصب كبير سيارة فخمة , أولاد لهم مستقبل باهر فيقول لنا المولى {ولا تعجبك أموالهم ولا أولادهم انما يريد الله أن يعذبهم بها فى الدنيا } فى الدنيا نعم فى الدنيا ستجد السعى وراء المال يرهقه و تربية الأولاد غمة عليه ووبالا ما له من مناص فما للمتدافعين على الدنيا يتقاتلون على السراب فالخانعون والمتخاذلون ليس لهم الا الشقاء الأبدى
- كنت أفكر كثيرا بعد أن يدخل المسلمون الجنة ويتقلبون فى نعيمها ويتكئون على أريكها ألا يصاب بعضهم بالملل دون وجود قضية يدافعون عنها أو يتسلل الى بعضهم الحقد بسبب الاختلاف الطبقى فى الجنة فانها درجات فوجدت الاجابة على السؤالين بين يدى كتاب الله فيحدثنا المولى عنهم بأنهم فى شغل فاكهون ويعلمنا بأنه نزع ما قلوبهم من غل اخوانا على سرر متقابلين وكما قال بن الجوزى فى صيد الخاطر لو لم ينزع المولى ما فى صدورهم من غل لما اسمتعوا بنعيم الجنة
سنعود بمشيئة الله لكتابة المقال يوم الخميس من كل أسبوع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق