ان الاصلاح عبر التاريخ يتم بطريقتين "اصلاح من الداخل " واصلاح من الخارج " الاصلاح من الداخل يكون عن طريق ما يعرف " بحرب الافكار "والاصلاح من الخارج يكون عن طريق "القوة " فالاصلاح يكون على يد أحد الاشخاص أو مجموعة من البشر يرفضون الاوضاع المزرية التى يتناقلها المجتمع ويسلكها التجمع البشرى المحيط بهم و ينتمون راغمين اليه فيتسامون عنها ويتسامون عنه يطرحون حلوال ويسوقون بدائل
يأتى الاصلاح على يد نبى أو عالم صادق أو مفكر لا يبغى من الاجر شيئا يصوغ الادلة والقرائن يعرض ما انزلقت اليه أقدام البشرية من أحوال ممقوتة ويصححها وتنشأ هنالك حالة جدلية بينه وبين نخب الفكر فى قومه
انظر مثلا لحوارات شعيب والذين يناوئونه انظر الى نوح حين خاطبه قومه بتعنت واضح " يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا " انها حالة جدلية متجددة ونقاش لا يعرف التوقف انها حرب الافكار ان استجاب القوم كان الخير كله وان ابوا تأتى القوة الالهية لتقوم هى بدورها فكان هود وصالح شعيب ولوط ونوح كانت القوة الآتية من الخارج ريحا صرصرا رجفة , حجارة , طوفانا يطيح بكل شىء , لقد رفض التجمع البشرى القائم وقتها أفكار الاصلاح وأدار ظهره اليها
ولكن من مبعث موسى عليه السلام حدث التطور الاكبر والمنعطف الاخطر فى تاريخ البشر حيث انتقلت القوة الى يد المؤمنين بمباركة الهية فتحولت عصا موسى وهى عصا عادية الى أداة تحمى , تضرب , تدافع وتهاجم وتفجر ينابيع الخير وعيون الماء ثم كانت حروب يوشع بن نون وداود وجيوش سليمان وحروب محمد رسول الله
وحروب الافكار ليست اعتباطية بل تقوم على مناقشة الافكار بموضوعية شديدة ومصداقية تامة دون سب أو قذف دون تعنت أو عناد وترتبط برغبة صادقة وحيوية لا تعرف الفتور ولنضرب المثل بفولتير ورفاقه حين ضاقوا بما كانت عليه الاوضاع فى أوروبا فأرسل الى دالامبير يخاطبه "أنت مفكر كبير عامل مجد عظيم لكن لا يكفى الانسان أن يبدو أعظم فكرا من غيره هيا اذن وقدم خدمة للجنس البشرى ألا يجب على الانسان اذا كان انسانا أن يحمر وجهه خجلا ان هولم يقرع ناقوس الثورة على أعداء الانسانية " فيرد عليه دالامبير بما يدور فى صدر الكثير ويداعب الخلد بسخرية " كان بودى أن أخدم العقل ولكنى أكثر رغبة فى أن أعيش ناعم البال ان البشر لا يساوون الجهد الذى نعانيه لتنويرهم "
لذلك كان الانبياء أعظم أجرا انهم لا يبغون من الاصلاح أجرا الا لرضا الالهى والارتقاء بمسالك المجتمع الذى خرجوا اليه وعلى الدرب سار المؤمنون الصادقون انه النضال فى سبيل الاله لا يبغون من البشرية جزاء ولا ولا شكورا ولكن فولتير يخاطبه ويشد من آزره " هيا يا ديدرو الشجاع ويا ودالامبير المقدام هيا يا عزيزى اسسوا معا هيئة من الفرسان البواسل حماة الحقيقة اقضوا على الخطب الرنانة التافهة وعلى السفسطات البائسة وعلى الاباطيل التاريخية والمتناقضات اللامعقولات التى لا تحصى عليكم يا خوانى الفلاسفة أن تسيروا متراصين كالمحفل المكدونى انه لم يقهر الا انه خاض القتال مشتتا ان المبشرين يجوبون الارض والبحار فليطف الفلاسفة فقط بالشوارع وليبذروا البذرة الصالحة
وعندما تتأمل رحلة الصعود الاسلامى تجد الامر نفسه كذلك فمحمد رسول الله خاض فى مكة حرب أفكار ضد قومه وظروفهم ومعبوداتهم ثلاثة عشر عاما فى مكة وكانت قوة الكلمة العاتية التى زلزلت أركان المجتمع المكى بأكمله
ثم كان التحول بعد ذلك الى القوة بعد الانتقال الى أرض أخرى تكون ملاذا آمنا ينطلق منها الى ساحات القتال وليس كما يزعم البعض ويتناقلونه عما يعرف بالتربية لأنه لم يستغرق المدة نفسها فى المدينة كسبيل للتعامل مع الانصار بل اكتفى وقتها بصحة العقيدة للانطلاق فالاذن بالقتال كان بمجرد أن وطئت الاقدام المدينة وفى الحديث وهو فى صحيح مسلم أنه جاءه صلى الله عليه وسلم رجل فى غزوة بدر وكنا كما تروى السيدة عائشة نجد فيه نخوة للقتال فأبى مرتين الا بالشهادتين وعندما وافق الرجل فى الثالثة انضم الى الفيلق ولم يطلب منه الانتظار ثلاثة عشر عاما كحال المهاجرين فى مكة فالامر كان مرتبطا بناحية استراتيجية عسكرية وبقعة جغرافية آمنة ينطلق منها ولكن الامر لا يعنى أنك لا تقوم بالدفاع عن نفسك والتصدى لجحافل الظلم بأى طريقة كانت فعمر بن الخطاب فى مكة كان يتوعد من يقترب منه انه حق الدفاع عن النفس الذى كفله الاسلام وحمزة شج رأس أبى جهل حين تعدى على بن أخيه
اذن فهذه هى استراتيجية الاصلاح عبر التاريخ ويكون من خلال هذين الطريقين وعلى كل أمة على كل مجتمع يحدد أى الطريقين يختار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق