أحد أهم عيوب النفس البشرية أنه تخضع للخداع والوهم بكل سهولة تخيل أنك خارج من منزلك فى الصباح فرحا منتشيا فقابلك جارك وألقى اليك التحية ثم سألك ما لى أرى وجهك مصفرا حينئذ ستتحسس تقاطيع وجهك وتقول مبررا اننى لم أنل قسطا مريحا من النوم ثم اذا بزميلك فى العمل يقول لك بعد القاء التحية أمرا كذلك ثم وصل الكيل الى نهايته وسوء الحظ الذى يحيط بك من كل مكان حين تستقبل أحد العملاء المستديمين وبعد أن يلقى اليك التحية يقول لك مثل ما قال الآخرون "ما لى أرى وجهك مصفرا " حينئذ ستدرك لا محالة أن حالك كذلك ان هذه احدى أساليب الشيطان ....وأيضا الاستخبارات فكلاهما يتبع فلسفة واحدة
ان التأثير الشيطانى على النفس البشرية حدده القرآن الكريم بألفاظ غاية فى الدقة وكلها تندرج تحت اطار الوسوسة وهى الهمس سرا فكانت كالتالى
"الوحى " وهى من شياطين الجن الى شياطين الانس يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا فجعل ما تبوح به تلك الشياطين الى اخوانهم عبارات براقة وزخارف لفظية مؤثرة أو افكار شديدة القوة للجدال والمناقشة كما تراها دوما شائعة فى وسائل الاعلام مثل الحداثة وما بعد الحداثة وقمع المرأة والافكار الظلامية أو فى تشويه صورة الخصوم السياسين فمثلا كما يحدث فى الغرب اذا تناول أحدهم سيجارة على سبيل التجربة فى بداية حياته فيقال انه كان يتخبط فى عالم الادمان وأما اذا كانت له مخالفة مرورية فان له سجلا اجراميا حافلا وهكذا لذلك كان التحدى القرآنى بادعو من استطعتم من دون الله ونفى أن الشياطين تنزلت به ثم يوضح أن الشياطين تتنزل فقط على الأفاكين حيث يلقون اليهم السمع فيتفوهون بها ويرددونها
وهناك من طرق التأثير أيضا "الأز " أو كما قال النص القرآنى تؤزهم أزا أى تؤججهم تأجيجا وتشعلهم اشعالا وهى أيضا خاصة بالكافرين حين تثور ثائرتهم على أهل الحق
وهناك " النزغ "ويعنى لغويا الطعن والوخز حيث تكون الوسوسة الشيطانية مؤلمة وموجعة وهى خاصة بالمؤمنين كما أن النزغ بين الناس يعنى افساد العلاقة بينهم لذلك كان الامر القرآنى بالقول الحسن وذلك لأن الشيطان ينزغ ويفسد العلاقة بينهم فهب أن هناك جلسة سمر ثم قال شخص عبارة تهكمية على آخر بدافع المزاح حينئذ يتلقفها الشيطان ويهمس له انه لا يعطى لك اعتبارا فيرد هو بعبارة أشد وتتحول الجلسة الترفيهية الى ساحة عراك
وهناك أيضا " المس " وهى التى تثير الكثير من القلاقل والاشكاليات لقوله تعالى "كالذى يتخبطه الشيطان من المس " ولأن القرآن يفسر بعضه بعضا نجد أنه سبحانه فى آية أخرى يوضح طبيعة هذا المس الذى يصيب الذين اتقوا وانهم فى هذه الحالة يتذكرون الثواب والعقاب والمآل ونتيجة الافعال فاذا هم مبصرون فلو كان المقصود هنا مس صرع فمريض الصرع لا يمكن أن يمر بتلك المرحلة من تذكر ثم ابصار وفى حديث المرأة التى يصيبها الصرع قال الرسول أنه سيدعو لها فالذى قام بربط الشيطان فى المسجد كان قادرا على اخراجه من جسدها ان كان فعلا يصيب بالصرع ولقد أوضح القرآن الكريم ان الشيطان يأتينا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا واستثنى من فوقنا كما قيل حيث تتنزل الرحمة ولم يقل أنه يتخلل أجسادنا فيصيبها بالصرع وقصة الصرع المرتبط بالشيطان هى فكرة انجيلية شائعة فى الادبيات النصرانية حيث ورد فى الاناجيل من معجزات المسيح أنه أخرج من رجل مجنون كان يعيش فى المقابر ويجرح نفسه مائة من الجن وانه وضعهم فى الخنازير ولكن القرآن حين تحدث عن معجزات المسيح أورد ابراء الاكمه والابرص واحياء الموتى وهى مذكورة بالفعل ولم يورد اخراج الجان واورد أنه يخلق من الطين كهيئة الطير وهى وردت فى انجيل توما فقط واخبركم بما تدخرون فى بيوتكم وهى لم ترد فى أى انجيل على الاطلاق وأقول أن ما حدث للرجل هو نوع من الخوف والهلع التى بثته بداخله الشياطين فاستجاب لوسوستها وهمساتها واوامرها دون وعى أما كونها تخللت جسده وأصابت أعضاءه فلا أرى ذلك ولو صح هذا الامر ما ترك الشيطان شخصا من بنى آدم على وجه الأرض
كما أن التأثير الشيطانى قد يكون بالاستهواء أى يؤثر فيك برأيه دون أن يكون لديك الدليل اليقينى عليه " كالذى استهوته الشياطين فى الارض حيران له اصحاب يدعونه الى الهدى ائتنا " وقد تفعله معك شياطين الانس حين يضغطون علك ويواصلون الضغط لاتخاذ قرار أنت لا تريده أو متردد فيه
أو أن يكون بالاستفزاز والازعاج " واستفزز من استطعت منهم بصوتك " مما قد يدفعك الى الخطأ والزلل "انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا "
وأما السحر وقد تحدث عن أنواعه بن كثير باستفاضة وتمكن فاننا نريد أن نضيف انه يعنى باختصار تسخير شيطان محدد للقيام بمهمة معينة بالوسوسة والايحاء فى صدر الانس وايهامه بأنه فعل الشىء وهو لم يفعله وقد يكون كراهة المرأة لزوجها وتنفيرها منه والجدير بالذكر أن شياطين الانس يقومون أيضا بمهام مماثلة وربما بشكل أكثر اجادة
وأريد أن أقول انه ليس للشطان سلطان على الارادة البشرية ولكن قد يكون على الحواس البشرية مثل السمع والبصركما فعل السحرة " سحروا أعين الناس واسترهبوهم " و يؤثر على الوجدان بالحزن والالم فيتخذ القرار بناء عليها وأن الاستعاذة منه وقرأءة المعوذتين تنهيان له أى تأثير كما حدث مع نبى الاسلام وليس كل حزن نابع من الشيطان بل فى معظم الاحيان من تصرفات الأندال من حولنا وحماقات الكثيرين وليس كل ما نفعله فى حياتنا من كيده ان ما فعلته امرأة العزيز مع يوسف كان نابعا من نفسها الامارة وأما ما فعله اخوة يوسف فمن نزغ الشيطان
ألم يقل الشيطان "وما كان لى عليكم من سلطان الا أن دعوتكم فاستجبتم لى " فالارادة البشرية مستقلة الا من فرط فيها برغبته
لأن هناك أيضا الاستعاذة بالجن وهو طلب اللجوء والحماية من الشيطان وهو فى تلك الحالة كمن يخضع له بمحض ارادته ويعرض نفسه عليه فيزيده ارهاقا وما دمنا قد تطرقنا الى سورة الجن فانه قد ورد فيها " وأنه تعالى جد ربنا " فكلمة "جد " تلك هى التى أخذت منها كلمة الله باللغة الانجليزية God وفى الحديث ذا الجد منك الجد وقد دخلت الى الانجليزية فى القرن السادس الميلادى
ان كل حالة من حالات التأثير الشيطانى النزغ , المس , السحر قد أوضح الاسلام طريق الخلاص منها
أما حين يقول لك جارك ما لى أرى وجهك مصفرا فابتسم ابتسامة صفراء وقل بصوت مغموس بالحسرة ..لأن العالم يحكمه ...بنو الاصفر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق