يرىميكافيللى أن عقول الحكام ثلاثة الاول يستطيع ادراك الامور وحده ويتصرف فيها دون مشورة من أحد والثانى لا بد أن يستشير من معه للوصول الى القرار الصحيح والثالث بلغ من التبلد والعجز بحيث لا يستطيع أن يدرك الامور بمشورة أو غير مشورة ويرى أن الأول ممتاز والثانى جيد أما الثالث فلا جدوى منه وهنا أختلف مع ميكافيللى وأقول ان النوع الثانى هو الافضل وليس الأول
وسنعرض فى حديثنا لقصة سليمان وبلقيس ما يشرح الامور ويقربها ونتعلم جيدا كيف تكون أصول الحكم والامارة
عندما تفقد سليمان الطير لم يجد الهدهد فاعلن عن عقوبة غليظة تحتفى بانتظاره حين يعود , ما لم يكن هناك مبرر حقيقى يفسر غيابه وهو الاتيان بخبر عظيم , وعلى ذلك فأرى أن مهمة الهدهد كانت مهمة استخباراتية وجمع المعلومات , واعلن عقوبته تلك على الملأ حتى لو كان هناك من تسول له النفس الامارة بشىء يتراجع عنه فالعقوبة يجب أن تعلن أمام حشد من الناس لا أن تكون فى طى الكتمان لأن هذا يؤدى الى بوادر التصدع وعندما عاد الهدهد وألقى خطبته العصماء البلبغة التى تدك قساوة الحجر فحدد سبب غيابه حدد المكان والخبر الجلل ونقل الصورة كاملة بلا رتوش , مملكة سبأ تحكمها امرأة يعبدون أبوللو اله الشمس المضىء وأضاف تعليقا من عنده يعبر فيه عن نقمته على أؤلئك البشر الذين حادوا عن الطريقة وعبادة الله الذى يخرج الخبء فى السماء ويلتفت الى سليمان ويقول ويعلم ما تسرون وما تعلنون فيجب أن تكون هناك قضية كبرى تجتمع عليها القيادة والجيش ,
هنالك تأتى القاعدة الهامة جدا التى يضعها سليمان الحكيم "سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين " فيجد التأكد من صحة الخبر من جهة أخرى خاصة فى عصر يعلو فيه الاعلام المدلس والاشخاص ذوى النفوس المريضة يملأون الاسماع و الآفاق بالأكاذيب وربما يكون الهدهد ممن يتاجرون بالقضية المقدسة وقد تأكد سليمان من صحة الخبر من جهة أخرى والدليل قوله "اذهب " وليس فاذهب فلو قال فاذهب لكان الهدهد هو مصدر التأكد ولكن بدون الفاء يعنى أن هنالك فترة من الوقت وان من شخص آخر , ثم عاد اليه لأنه صاحب الخبر ثم انظر ماذا يطلب منه سليمان أن يتنحى قليلا وينقل اليه تفاصيل الاجتماع فى مملكة سبأ ليعرف كيف يفكرون فيم يخططون ما هى خياراتهم ما هو الامر الذى يخشونه وما هو الامر الذى يرغبون فيه فانظر بم يرجع المرسلون , وذلك حتى يستطيع أن يدير معركته السياسية ويحدد خططه للتعامل معهم أى لباس حكمة تلك الذى ترتديه ياسليمان
وهنا تجد أن سليمان لم يستشر أحدا بل كان يفعل كل ذلك من تلقاء نفسه انه نبى يوحى اليه أتاه الله الحكمة انه يمثل النوع الاول من الحكام الذى ذكرناه آنفا , على الجانب الآخر صناعة القرار فى مملكة سبأ , الملكة تعجز عن اتخاذ قرار الا بمشورة مجلس الحكم معها ولا تقدر على التفكير بمفردها هل هى من النوع الثانى أم من النوع الثالث فى رأيى أنها من النوع الثالث الذى لا جدوى منه ولكن نموذج الحكم فى الاسلام هو النوع الثانى و الذى أختلف فيه مع ميكافيللى مع ميكافيللى فمحمد رسول الله الذى كان يأتيه الوحى من السماء كان يقول أشيروا على أيها الناس رغم أن كل الامور التى تعرض اليها كان المفروض أن يلجأ فيها الى ربه أو ينتظر الوحى ولكن لأن محمدا رسول الله أتى ليقيم مملكة آخر الزمان والحكم الرشيد الأمثل لا بد أن يشرك اصحابه معه حتى يقوموا بالأمر من بعده ولاعداد كوادر تدير الحكم وتنشىء الدولة وتقيم ملكوت السموات انه محمد رسول الله والذين معه فنحن نجد أن مملكة سليمان قد انقسمت من بعده لأنه وان كان عليه السلام حكيما لم يشرك أحدا فى الحكم معه فكان تصدع المملكة أمرا حتميا لذلك فالخير للامة النوع الثانى من الحكام وليس النوع الأول
بل ان القرآن يعلمه كيف تكون المشورة فيقول له "وشاورهم فى الأمر " ثم بعد ذلك ماذا فاذا عزمت ولم يقل عزمتم لأن القرار فى النهاية له وحده ويجعل التوكل على الله هو حصنه الأول والأخيراذن فالنوع الثانى من الحكام هو خير الانواع الأفضل لنظم الحكم الرشيد نعود الى سليمان وسبأ علم سليمان ما انتهى اليه حال مجلس الحكم عندهم و أن ما ترهبه ملكتهم هو القتال والحرب فكان تركيزه على هذا الأمر الذى تهابه وتخشاه وهو يختلف من مملكة لأخرى ومن امارة لغيرها ومن حاكم لآخر فقد يكون الاقتصاد فى بعض الممالك , بل ان سليمان استخدم بعض الالفاظ التى قالتها ملكتهم فى رسالته اليها لتعميق التأثير النفسى الرهيب فقالت " وجعلوا أعزة أهلها أذلة " فقال " ولنخرجنهم منه أذلة " لينتقل القرآن بعد ذلك الى استعداد سليمان لاستقبالها فقد حسم المعركة
وعندما ننتقل لملأ سليمان نجد انه لم يستشرهم قط بل يطلب فقط ويستغل عامل المنافسة بينهم ونجد أن مجلسه يضم القوة يمثله عفريت من الجن والعلم الذى انتصر على قوة منافسه هكذا تكون بطانة الحكم , ثم نجد بعد ذلك استراتيجية سليمان لقد قرر أن يأتى بعرش ملكة سبأ ثم يأتيها هو بخير منه انها امرأة والنساء تخدعهن دوما ظواهر الأشياء وعندما جاء العرش علت سليمان الدهشة من فرط عظمته ولكنه الاواب الحكيم يعلن أن هذا ليس الا اختبارا من ربه له كيف امرأة كافرة لها كل هذا المجد , ليبلونى ءأشكر أم أكفر فلا تخدعنك مباهج الكفر وزخارف الضلال وان فاقت الأخيال ولا تشعرن بانسحاق أو هزيمة نفسية أمام بريق حضارة يكاد سناه يخطف الأبصار
فأعد لها سليمان لها ما يجعلها تشعر بالحرج ويبدو عليها الارتباك صرح يخدع الداخلين اليه يظنونه ماء يخشون على أنفسهم البلل فكشفت المسكينة عن ساقيها مثلما يفعل القادمون من الأماكن النائية ليركبون السلم الكهربائى فتغمره طبقة من الدهشة وتمزقه الحيرة والارتباك يا بلقيس انه صرح ممرد من قوارير وأوتينا العلم من قبلها .....وكنا مسلمين فالاسلام هو دين العلم أيها الجهلاء وهو يشبه ما فعله الرشيد مع ملك الروم