فالأقدار التى نتحرك نحن داخل اطارها ونتخذ العديد من القرارات الاختيارية لا تتركنا هكذا فللقدر أيضا ارادته واختياره
فقد تعرض ميكافيللى فى كتابه الأمير لهذه النقطة التى هى على درجة كبيرة من الاهمية يقول ميكافيللى فى كتابه الامير {لا نستطيع أن نجهل أن الكثيرين كانوا وما زالوا يعتقدون بأن الأحداث التى تجرى فى دنيانا يسيطر عليها القضاء والقدر وأن المتحكم فى دنيانا هو الله وأن ليس فى وسع البشر عن طريق الحكمة والتبصر تغييرها أو تبديلها ولا يوجد علاج لذلك مطلقا ولذا فان الانسان اذا ما قام بعمل شىء لرد ما حكم به القضاء ودفعه فان ذلك يكون جهدا غير مجد وأن عليه أن يدع نفسه للأمور تجرى به حيث تشأء وفقا لمشيئة الحظ وقد كثر القائلون بهذا الرأى فى أيامنا هذه بسبب ما نراه من التبدلات والتغيرات التى تحدث فى الامارات والممالك والتى تفوق كل تصور بشرى وعندما نفكر نحن فيما يتم من تبديلات وأحداث نميل فى بعض الأحيان الى مشاركة هؤلاء رأيهم ولكننا مع ذلك نعتقد أنه لا يجب تجاهل ارادتنا تجاهلا تاما } انتهى كلام ميكافيللى ونحن المسلمين نعتقد بالطبع أن الله هو مالك الملك يؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير انه على كل شىء قدير لذلك فحين يأذن الله بامر لن تستطيع أى قوة مهما كانت ومهما أوتيت أن يكون لها من الامر شىء ولكن ميكافيللى العنيد يحاول أن يضع استراتيجية للحكام تحميهم من يد القدر العاصفة أو بالأحرى تقلل من مخاطرها فيقول { وفى رأينا أن من الحق أن يعزو الانسان الى القدر التحكم فى نصف أعمالنا التى نقوم بها وأنه ترك النصف الاخر أو ما يقرب منه لنتحكم فيه بأنفسنا ونود أن نشبه القدر بالنهر العنيف المندفع والمضطرب الذى يغرق فى حالته تلك السهول والوديان ويقتلع الأشجار والابنية وكل ما يجده فى طريقه ويجتث الأرض من ناحية ليقذف بها الى ناحية أخرى ولا يجد الناس طريقا للنجاة من ثورته العارمة سوى الفرار من أمامه بكل ما أوتوا من قوة اذ ليس فى مقدور أحد مقاومته أو اعتراضه ولكنه على الرغم من هذه الطبيعة القاسية تكون له طبيعة أخرى يعود فيها الى الهدوء والسكون وفى وسع الناس وامكانهم عند ذلك أن يتخذوا ما يرونه مناسبا من الاحتياطات اللازمة والضرورية باقامة السدود والحواجز حتى اذا ما اعترته ثورة عارمة مرة أخرى وارتفع انسابت مياهه الى احد الأقنية أو كان اندفاعه لا يجلب من الأضرار ما يكون شديدا قاسيا وهذه هو الحالة من وجهة نظرنا مع القدر } ولعل ميكافيللى يقصد هنا بالسدود والحواجز القوى الأمنية المتشعبة والمؤسسات الاعلامية الضخمة وعلماء السوء والضلالة وكل دعائم الحكم والسلطان على تنوعها ولكن معذرة ميكافيللى كل هذا لن يحول أو يمنع ارادة الله { واذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال الم تر كيف فعل ربك بعاد وثمود و غيرها من الأنداد وفرعون ذى الاوتاد سيد ميكافيللى ان ربك لبالمرصاد
وينتصر ميكافيللى للتعامل مع القدر للتهور وليس للحذر والاناة وضرب أمثلة لذلك مثل البابا يوليوس الثانى
ونحن نقول لميكافيللى لقد كان هتلر متهورا وخسر كل شىء وفرعون موسى الذى اندفع وراءه حين خرج مع بنى اسرائيل من أرض مصر فهاهو موسى والبحر وفرعون فى جيشه ومدده يسابقون الريح من خلفه ويح نفسى ها هم بنو اسرائيل مدركون فأطلقها موسى مدوية { كلا ان معى ربى سيهدين } كيف يا موسى فالبحر غادر والفرعون لا يعرف الرحمة فاذا باله موسى يضرب له فى البحر طريقا يبسا واذا بموسى المحاصر الان ينجو ويقع فرعون بين شقى الرحى سبحان ربى كيف لبنى اسرائيل من بعده يكفرون وكنت اسأل نفسى يوما عندما رأى هذا الفرعون موج البحر وقد استحال جبلا ألم يفكر ولو للحظة فى مراجعة نفسه أو أن يقرر العودة الى قصره فاذا بن كثير يقول فى تفسير سورة يونس أن الامر بالفعل هاله وكاد يعود لولا أن جبريل مر بحصانه الى جوار حصان فرعون فاقتحم حصان فرعون خلفه وتجلد فيا ميكافيللى لم ينفع فرعون تهوره حين جاء أمر ربك
وكذلك التهور الامريكى فى العراق لم يحل دون النهاية الدامية واذا بعبوة ناسفة لا تزيد عن ثلالثين دولارا تحطم عربة أمريكية بمليون دولار فالتهور يا ميكافيللى لن يفيد
ولينس الغرب ما قاله لهم ميكافيللى ولنبحث عن فلسفة انهيار نظم الحكم كما جاء فى سورة الأعراف فبعد الحديث عن القرى التى انهارت عادا وثمود و قوم لوط وقوم شعيب يضع المولى سبحانه هذا القانون وضع المولى هذا القانون بعد ذكر حال كل هؤلاء و قبل الحديث عن بنى اسرائيل لأهمية هذا القانون بالنسبة لهم ويا ليت أمريكا تعرف ما كتبه ربها فيقول وما أرسلنا فى قرية من نبى الا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس اباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون } أى أن المرحلة التى تعيشها تلك الحضارة المنهارة تبدأ بأزمة مثل أزمة 1929 لعل القائمين عليها يستفيقون ويعودون الى ربهم ولكنهم لم يفعلوا ثم تأتى بعد ذلك مرحلة تقدم وازدهار وكثرة ووفرة فى كل شىء لعلهم يشكروا ربهم ولكنهم لا يفعلون ليستيقظوا بعد ذلك على نذر النهاية فلا تقولوا قد مرت بنا أزمات من قبل وأن هذا هو حال الدهر هنا لك لن تنفع حيل ميكافيللى وألاعيبه بل فقط العودة الى الخالق فكما رفع الله العذاب عن قوم يونس لما عادوا كذلك سيرفع الله العذاب عن كل قرية تعود اليه ولمثل هذا يشير داوود عليه السلام فى مزموره {قد رأيت الشرير عاتيا وارفا مثل شجرة شارفة ناضرة عبر فاذا هو ليس بموجود والتمسته فلم يوجد لاحظ الكامل وانظر المستقيم فان العقب لانسان السلامة أما الأشرار فيبادون جميعا عقب الأشرار ينقطع أما خلاص الصديقين فمن قبل الرب حصنهم فى زمان الضيق ويعينهم الرب وينجيهم ينقذهم من الأشرار ويخلصهم لأنهم احتموا به } مزمور 35:37
فما دامت يد القدر هى الحاكمة وأن الاعيب البشر لن تغير شيئا فلماذا لا تفعل معى ذلك المخابرات المصرية ففى اللحظة التى أكتب فيها مقالى هذا هناك ثلاث طائرات ترابط حول بيتى أرجوك لا تتهمنى برباطة الجأش بل هى حالة تبلد أو كما كان يصفها ديورانت عندما كان يعلق على تعذيب المسيحيين على أيدى الامبراطورية الرومانية بأنه دليل على ما يحدثه الخوف والغيبوبة من تخدير هذا الامر له سنتين كنت أتغافل عنه وأقول انهم يطمئنون على لأننى لا احمل تليفونا محمولا ويريدون أن يطمئنوا أنه ليست لى صلات بأى شخص أو جهة وهذه حقيقة عرفوهما منذ زمن ولكن تجاوزاتهم قد فاقت كل الحدود فى الأيام الأخيرة وما دامت المخابرات المصرية تقوم بتلك الحركات الطفولية والتى كنت أتمنى أن تسمو فوقها فابت الا الانزلاق اليها فلتتحمل هى كل النتائج فقد تعودت طيلة حياتى أن أرد الصاع صاعين
فأنا لا أخشى الموت فان أتى تحت راية الثبات على الحق وفى نصرة الخير فأعظم به من موت وأقسم أن هذا هو الذى أريد من تلك الحياة فلقد أصابنى منها الملل فقد انهارت فيها كل القيم الانسانية وانحدرت فيها أخلاقيات البشر وعندما تصل الخصومة الى هذه الدرجة من الانحطاط والشرورية فلتذهب أنفسنا رخيصة تحت راية الخير
واننى لأعجب كيف للادارة الأمريكية أن تدعى حرصها على حرية الرأى والتعبير وأنها تطل على العالم بوجه جديد ثم اذا بها فى الخفاء وتحت أستار الظلام تمارس التضييق على حرية الرأى بأبشع صورة وتوعز الى حلفائها التعامل بهذا الشكل