من اهم الاشكاليات التى واجهت المشروع السياسى الاسلامى هى من سيتولى الحكم بعد الخليفة وهى اشكالية على درجة كبيرة من الخطورة ليس فى الاسلام فحسب بل فى كل نظم الحكم التى ظهرت عبر التاريخ لدرجة ان الفيلسوف الانجليزى هوبز نصح بأن يكون الحكم وراثيا وان يحدد الملك ولى العهد من بعده للحفاظ على استقرار المملكة , وهو النظام المتبع فى معظم الدول العربية , الم تر كيف ترك الملك حسين سرير مرضه فى الولايات المتحدة الامريكية ويعود الى الاردن ليغير ولاية العهد ثم عاد مرة اخرى ليكمل رحلته مع الموت , ولكن هل عدم استقرار الامارة لعدم وجود نظام محدد لاختيار الحاكم هو مادار فى ذهن المغيرة بن شعبة رضى الله عنه حين أشار على معاوية بأن يجعل الامر ليزيد من بعده فقد رأى رضى الله عنه ما حدث بعد مقتل عثمان رضى الله عنه من فتنة ورأى مقتل كبار الصحابة طلحة و عبد الرحمن بن عوف وعمار بن ياسر ربما , وان كان الامر ادى ايضا الى اقتتال داخلى اخر , لذلك انا أرفض رأى الحسن البصرى فى المغيرة و الذى اورده السيوطى فى كتابه تاريخ الخلفاء , و هذا التقليد السياسى التوريثى الذى نرفضه قد تسلل الى الاسلام من نظم الحكم الاخرى الفاسدة من فارس والروم ولكن هذا لن يعنى انه ان كان لديهم ما يفيد ان نعرض عنه , الم يدخل عمر الدواوين ويقوم عبد الملك بن مروان بصك عملة اسلامية جديدة فالحكمة ضالة المؤمن , لذلك نرى ان الحل لهذه المعضلة هو تكوين مؤسسة { الشورى والمراقبة } منتخبة من الرعية لا مختارة من قبل الخليفة فولاء المرء لمن يختاره و تهدف الى اختيار الخليفة القادم وتزكيه وتعرضه على الرعية وقد يكون شخصا واحدا او اكثر من شخص الم يزك بوش ماكين وكلينتون قد زكى اوباما , وعند حدوث نزاع بين المؤسسة والخليفة وهو بالتأكيد سيحدث يكون الحكم فيه للشريعة ألم تقرأ قوله تعالى بعد الحديث عن الامر والطاعة لاولى الامر {فان تنازعتم فيه من شىء فردوه الى الله والرسول } واذا كانت الديمقراطية هى سيادة القانون وهذا ادعاء كاذب فان دولة الاسلام هى سيادة الشريعة كما ان امر السمع والطاعة المطلقة للحاكم لن يتكرر مرة أخرى , فقد يستغل الاعداء مكامن الضعف فى النفس والبشرية من مال ونساء وهدايا , ويسيطروا على الحاكم ومن ثم يسيطروا على الدولة , ان الخطاب دوما فى القرأن الكريم للذين امنوا وليس للحكام فدولة الاسلام هى دولة الرعية هى دولة الشعب
وعندما نأتى الى الاخطاء المنهجية التى ارتكبتها مؤسسة الخلافة فى عهود الاسلام المختلفة نجد التالى
ففى عهد بنى امية رغم انهم قاموا بجهاد الطلب على أكمل وجه الا انهم اتبعوا اسلوبا من القسوة المفرطة مع الرعية لترسيخ اسس حكمهم الوراثى مما افقدهم اى رصيد فى القلوب ولم يتبعوا مبدأ { القوة العادلة } فعندما اعمل الحجاج في الرعية السيف ضجت وتذمرت وكثرت حوادث الخروج عليهم وكان اخر خلفائهم مروان بن محمد يلقب فى كتب التاريخ بالحمار لكثرة الخارجين عليه فيا ليت الامبراطورية الامريكية تقرأسيرته انهم يرون ان العالم الاسلامى هو الذى يقود التمرد فى النظام العالمى الجديد وهو الذى يرفض المنظومة الدولية التى تقودها واشنطن ولكن ها هو موجابى يرفض وامريكا الجنوبية تتمرد وروسيا تبدى تململا من حين لاخر بل ان اوروبا وهذا سوف يحدث وسنذكره بمشيئة الله فيما بعد ستتخلى عنها , لقد انتهجت القوة الغاشمة , و القوة مهما بلغت شدتها لن تكون أبدا هى صمام امن الحكم بل يجب ان تمتزج بأنشودة العدل , وبالرغم من ان حجاج بنى امية توفى عام 97 هجرية الا ان الامر لم يستغرق اكثر من خمسة وثلاثين سنة حتى جاء بنو العباس ويقتلون اى شخص ينتسب الى بنى امية , وأصبحت جريمته هى نسبه , فالقسوة المفرطة مع الرعية مصحوبة بالظلم تؤجج الطاقات الغضبية فى النفوس وتشعل حمم الانتقام ولن ينفع معها مباريات او حفلات فالامبراطورية الرومانية القديمة كما ذكر ول ديورانت كانت تلجأ الى اقامة المنافسات الاوليمبية لامتصاص الطاقة الغضبية لدى الشعوب فلا ينصرفون نحو الاهتمام بشئون الحكم
اما الخلافة العباسية فقد ورثت الخلافة الاموية بكل حدودها وريعها ولكنها تقاعست عن جهاد الطلب فلم تحدث فى عهدها سوى مناوشات اغلبها دفاعية مثل الرشيد ونوكفور والمعتصم وعمورية وحيث ان الطبيعة السياسية البشرية قائمة على التدافع فعندما تتخاذل انت يتجرأ الاخرون عليك لذلك فقد اتاها الصليبيون فى الشام , والعبيديون من الغرب وجحافل التتار من الشرق , وصار المسلمون الذين ينتصرون بالرعب يصابون هم بالرعب والهلع حين يذكر امامهم حديث التتار, لقد اصابهم الوهن احبوا الدنيا ولكنها لم تحبهم . اذن فالامارة التى تتقاعس عن جهاد الطلب سيأتيها الغزو لا محالة وستتداعى عليها ذئاب البشر فليس بأمانيكم ولا امانى اهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به
اما الخلافة العثمانية فقد ارتكبت حماقة الامتيازات الاجنبية وصار للاجانب بدءا من عام 1569 كما يقول روبير سوليه من الحقوق ما يفوق حقوق العثمانيين وكان هؤلاء كمثل عيون ترصد احوال الامة ومكامن الضعف فيها ووقت الهجوم المناسب عليها لم يقم العثمانيون عقيدة الولاء والبراء فجاءهم الغضب الالهى من الاستعمار الحديث وتقاسموا تركة الرجل المريض فيما بينهم وكذلك ضاعت الاندلس عندما كان الاخ المسلم يستعين بالنصارى لقتال اخيه الاخر فطردوا جميعا بايديهم قبل ايدى غيرهم
وعلى ذلك فتلك الاخطاء المنهجية الثلاث التى ارتكبتها كل خلافة واقترفتها كل مملكة - فضلا طبعا عن خطيئة التوريث - كانت سببا فى سقوط الخلافة على هذا النحو وهى خريطة الطريق لسقوط اى امارة اخرى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق