حول كيفية ادارة الدولة وكيفية الارتقاء فى المناصب خلالها يقول أفلاطون فى كتابه عن الجمهورية فى فصل بعنوان الحكم للشيوخ العقلاء يقول "ليس من شك فى أن الشيوخ يجب أن يكونوا حكاما والشباب رعايا وأن يكون الحاكمون هم أفضل أؤلئك الشيوخ يلزم أن نختار من جمهور الحكام الافراد الذين ظهروا لنا بعد المراقبة اللازمة أنهم يمتازون بالغيرة على القيام بكل عمل مفيد للدولة مدى الحياة وينبذون ما يحسبونه ضارا ومن اللازم أن نراقبهم فى كل أطوار الحياة لنرى هل هم حكام ثابتون فى هذا اليقين ولا تزحزحهم عنه قوة لاطراحه ظهريا بل يحرصون على الاقناع بأنهم يجب أن يعملوا الافضل للدولة " وربما هذا يوضح لماذا فى الدولة المعاصرة تكون هناك أجهزة رقابية ترصد كل كبيرة وصغيرة عن المسئول و ترقب تفانيه فى تقديم الخدمات باخلاص و أمانة وترى هل هو مناسب للارتقاء الى الدرجة الاعلى وفى فصل آخر بعنوان "الحكم للفلاسفة والا فالشقاء " يقول أفلاطون "لا يمكن أن تزول تعاسة الدول وشقاء النوع الانسانى ما لم يملك الفلاسفة أو يتفلسف الملوك والحكام فلسفة صحيحة تامة أى ما لم تتحد القوتان السياسة والفلسفة " فالحكام يجب أن يكونوا على قدر من المعرفة والخبرات المتراكمة وأصحاب الخبرات يجب أن يتقلدوا مناصب القيادة ولكن السؤال الذى يطرح نفسه ما هى الصفات المناسبة للعاملين فى مختلف مناحى الحياة أوضح القرآن الصفات المثلى لثلاث أوضاع مهنية وفى كل منها ذكر السمات التى يجب أن يتحلى بها هذا الشخص فعندما ذكر قصة موسى و رجل مدين كانت الصفات التى أهلت موسى للعمل هى "القوى الامين " فالقوة الجسدية مصاحبة للأمانة هى صفات يجب توافرها فى العمال تخيل لو أن المصانع التى تدار والشركات التى تعمل ليل نهار تحوى بين جنباتها عمالة يدوية قوية الجسد وفى الوقت ذاته ذات صفات أخلاقية رفيعة فان وضعية هذه المصانع والشركات ستشهد طفرة كبرى
أما حين تحدث القرآن عن القيادة العسكرية كان هناك وصفا آخر لأن القيادة العسكرية تحتاج الى متطلب آخر على درجة كبيرة من الاهمية ففى قصة طالوت وجنوده " اجعل لنا ملكا نقاتل فى سبيل الله "فعندما أعلن بنو اسرائيل تبرمهم من هذا الاختيار واعتراضهم عليه جاءت الحيثية واضحة صريحة لا تقبل التأويل أو "وزاده بسطة فى العلم والجسم " فنظرا لأن الاختيار هنا لوظيفة القيادة العسكرية فانها تحتاج الى صفة القوة مصاحبة لصفة العلم والدراية فالقيادة العسكرية يجب أن تنال قدرا كبيرا من العلم والمعرفة حتى تكون أهلا لهذا المنصب و على قدر المسئولية وحتى تكون قادرة على ادارة المعركة والتوسع فى ميدان الحرب
أما القيادة السياسية فوضع لها القرآن معايير أخرى ولعلك ترى الابداع يتجلى فى استخدام الالفاظ المعبرة وتحديد الصفات المناسبة انه كتاب السماء المنير فحين تطرق الى هذا الامر وذلك فى حديثه عن داوود والذى كان جنديا مقاتلا فى جيش طالوت انضم اليه رغم أنه كان خارج كل الحسابات فهو راع غنم ولكن لغيرته الشديدة على اله اسرائيل و ايمانه الراسخ الذى لم يتزعزع كان سبيلا فعالا لقتل جالوت مصدر الرعب والفزع لبنى اسرائيل وذلك بمقلاع بسيط فقال بعدها "وأتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء"
فقرن الملك بالحكمة وجعل تولى القيادة السياسية يتطلب عقلا واسعا وحنكة كبيرة وميزان جيد للأمور لا يعرف ترددا ولا تتطرق اليه ضبابية ان الامور لا تكون هكذا هباء فوضوية بل يجب أن يكون لكل وضعية مهنية ما يناسبها من السمات والصفات الشخصية
ولكن هل الحكمة مرتبطة بالسن ليس الامر على اطلاقه فالبعض قد أوتى الحكمة فى الصغر وكان من هذا الاستثناء يحيى عليه السلام "وآتيناه الحكم صبيا " وعلى ذلك فالحكم والحكمة قرينان من أجل الدولة الرشيدة
هناك تعليقان (2):
إرسال تعليق