كان روسو محقا حين أبى أن يكون معهم حين رفض أن يختار درب الفلاسفة الفرنسيين فرفض التملق والتذلل وأطلق نداء الثورة المدوى فى كل أنحاء أوروبا وكما يقول ول ديورنت فى قصة الحضارة فى مجلد بعنوان " روسو والثورة "فى فصل روسو الفيلسوف " وبينما كان فولتير، وديدرو ودالامبير، ينحنون للملوك أو الإمبراطوريات، أطلق روسو على الحكومات القائمة صرخة احتجاج قدر لها أن تسمع من أقصى أوربا إلى أقصاها। وبينما اقتصر جماعة الفلاسفة، الغارقين في "الحالة الراهنة" على الدعوة لإصلاح تدريجي لشرور معينة، هاجم جان-جاك النظام الاقتصادي
، والاجتماعي، والسياسي بحملته، وبشمول بدا معه كل علاج مستحيلاً إلا على الثورة। ثم أعلن أنها آتية: "محال أن تعمر ممالك أوربا الكبرى أكثر مما عمرت। لقد كان لكل منها فترة مجدها، ومآلها بعدها إلى الاضمحلال...إن الأزمة تقترب، ونحن على شفا ثورة" ان التملق هو داء لا يغتفر حيث الكائنات الطفيلية التى تتقرب وتتزلف الى الاباطرة بغية الوصول الى مكتسبات لا يعود مردودها الا على فئة قليلة لذلك كان يعتب روسو على منتديات باريس التى لا يهمها الا المظاهر الخادعة انهم يرسمون لأنفسهم صورا مصطنعة مختلقة تلك التى يتمنى أن يراهم الناس بها لا صورتهم الحقيقية فأبى أن يتملق معهم
لقد كان روسوا يطارد الأحلام حيثما ذهبت وأينما تحط وكان فى كل ذلك صادقا مخلصا لها لذلك كانت قدم روسو فى ميدان السبق أسرع رغم جهدهم المذهل
وكان بن خلدون يرى أؤلئك المتملقين من ذوى الامكانيات المتواضعة هم الذين يحظون بالسعادة بينما قضى على أصحاب الكفاءات ومن أوتوا حظ المعرفة أن يعانوا الكد وشظف العيش لأن احساسهم الداخلى بالذات وتنسمهم لرائحة الحرية العطرة يحول دون هذا التملق فينعم أؤلئك الوصوليون بالرغد الرغيد بينما يحرم منها الآخرون ويتلظون بلهيب العيش ولكن ثلج السعادة الأبيض لن يعرف الى صدور أؤلئك القوم طريقا فلا يربح من يكسب العالم كله ويخسر فى ميدان الحياة نفسه يقول بن القيم فى كتاب الرائع اغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ناقما على تلك الفئة وأن ما يتقلبون فيه ما هو الا خداع الشيطان لهم فيفرطون فى ركائز الأمور وأساسياتها الصحيحة من أجل اعتبارات اجتماعية حمقاء لن تحقق أبدا ما تربو اليه أنفسهم فيقول فى فصل بعنوان كيده للانسان باعزاز النفس وصونها " ومن مكايده أنه يأمرك باعزاز نفسك وصونها حيث رضا الرب تعالى فى اذلالها وابتذالها كجهاد الكفار والمنافقين وأمر الفجار والظلمة بالمعروف ونهيهم عن المنكر فيخيل اليك أن ذلك تعريض لنفسك لمواطن الذل وتسليط الأعداء وطعنهم فيك فيزول جاهك فلا يسمع منك ويأمرك باذلالها وامتهانها حيث تكون المصلحة فى اعزازاها وصيانتها فيأمرك بالتبذل لذوى الرياسات واهانة نفسك لهم ويخيل انك بذلك ترفع قدرها بالذل لهم " ان الكلمة حينما تكون صادقة فانها تزلزل أسماع الآفاق تهز جنباته دون ترفق وتنشرها ذرات الهواء... تحملها فى نشوة مضيئة وتمضى بها الى كل ربوع الأرض هكذا قاسى الفلاسفة المصلحون وهكذا عم تأثيرهم.... وظلالهم ثم يعرض الرجل فى فصل تال كيف كان محمد رسول الله يذهب الى السوق ويشترى حاجياته بنفسه وكيف كان أبو بكر يحمل الثياب ويبيع ويشترى وكيف كان أبو هريرة يحمل الحطب وهو أمير على المدينة ويقول " أفسحوا لاميركم أفسحوا لأميركم" انها نماذج بشرية حقيقية لم تنبت فى فضاء الخيال حين ترى أوروبا تحاكيها تشعر بالانبهار وترى سكرة الاعجاب تتلاعب برأسك رغم أنها بضاعتنا التى تنكرنا لها أفرزتها صرخات روسو المطارد وعقل فولتير المتوهج بينما انزلقت أقدامنا الى نقيضها المرذول ترى البعض تغمره السعادة حين يفسح له فى المجالس و يسارع البعض الى تقبيل أياديهم وهى بالمناسبة اجراءات متعمدة للحصول على تصريحات وآراء تخدم سياسات وأهداف معينة فيبيع فى سوق النخاسة نفسه دون أن يدرى ويهوى فى منحدر لا يعرف منه الفكاك ولكنه زمن التطهيرالملتهب الذى تتجلى فيه المعادن وتظهر فيه حقائق النفوس وكوامنها المتوارية جاء فى سفر دانيال يحدثنا عن هذا الزمن فى الاصحاح الحادى عشر
32 والمتعدون على العهد يغويهم بالتملقات. أما الشعب الذين يعرفون إلههم فيقوون ويعملون
33 والفاهمون من الشعب يعلمون كثيرين. ويعثرون بالسيف وباللهيب وبالسبي وبالنهب أياما
34 فإذا عثروا يعانون عونا قليلا، ويتصل بهم كثيرون بالتملقات
35 وبعض الفاهمين يعثرون امتحانا لهم للتطهير وللتبييض إلى وقت النهاية. لأنه بعد إلى الميعاد " نعم انه التطهير والتبييض
ولكن لفظ " النهب" بصفة خاصة مس بداخلى جرحا غائرا........ لأنهم يبيعون لى السلع أغلى من أثمانها الحقيقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق