يحكى كتاب التاريخ قصة للدلالة على مهابة أوكتافيوس مؤسس الامبراطورية الرومانية أنه فى عام 14 ميلادية كان على متن يخته الخاص فى ميناء بويتولى وتصادف وقتها دخول سفنة تجارة من الاسكندرية هنالك جثا البحارة المصريون على ركبهم اجلال وتعظما وأشعلوا البخور المقدس الذى يشعلونه فى معابدهم للمخلص الذى يحقق السلام والحرية وقالوا "بك نبحر وبك نحيا وبك ننعم بالسلام والرخاء " ولكن بعد أكثر من ستة قرون كان هنالك مصرى يشكو بن حاكمه الذى ضربه بسوط وقال له "كيف تسبق بن الاكرمين " ما الذى جرى ما الذى تغير ما الذى أحدث انقلابا فى نظرة المصريين الى حاكمهم المقدس من شخص هو مهد كل شىء ومعط كل شىء الى شخص يصيب ويخطىء ويتجرأ على الشكوى فى حقه كيف تغير المنظور الرومانى الذى تسربل بالرداء الفرعونى فى العقلية المصرية للحاكم الى منظور آخر ...لقد أشرق نور الاسلام ولنبدأ القصة من بدايتها
على ضفاف نهر التبر نشأت روما ونشأت معها القلاقل وخرجت سلالة تثير الشغب والمتاعب معا وتحولت المدينة الى امبراطورية استفادت من تجارب السلطات السابقة لها وأعادتها للحياة من جديدفى صورة أكثر فظاظة ووحشية ووضعت ذلك المنهج الخانق فى الحكم
"divide et impera" أى قسم ..واحكم فلم تكن تسمح بقيام أى كيان أو مجموعة أو أحزاب داخل حدودها أو تقوم باختراقها وقامت بتقسيم الامبراطورية الى ولايات وقامت بتقسيم الولايات الى مقاطعات وجعلت لكل منها شيخ بلد مسئول عنها يعرف فيها كل كبيرة وصغيرة وهو نفس المنهج الذى استقاه نابليون حين ابتليت به مصر فجعل لها مجلس شيوخ وأعيان لمساعدته فى ادارة البلاد ليتطور الامر بعد ذلك الى نظام العمد فى عهد الخديوى اسماعيل وأصبح نفوذ العمدة فوق شيخ البلد وأصبح هو ممثل السلطة التنفيذية ورمز الاستبداد المجحف و وكما يقول الاستاذ محمد جبريل فى كتابه الصادر عن مكتبة الاسرة مصر فى قصص كتابها المعاصرين لم يكن أهل البلد يحبون العمدة بل يكرهونه بشدة ويشعرون بالفرحة فى أى مصيبة تلم به وكانت المهمة الاساسية لكل واحد منهم هى حفظ الامن والعمدة الذى تنتشر الجرائم فى قريته يتم عزله فورا لذلك حينما تحدث اي جريمة يسارع بالزعم بأن صاحبها ليس من القرية بل من ناحية أخرى وكان يرى الرشاوى حقا أصيلا له رغم أنه قد يكون انتهى لتوه من صلاة الفجر أو ينوى الدخول فيها وكان المأمور القادم الى القرية فى بادىء الامر شديدا ثم ما تلبث هدايا الريف وخيرات الارض أن تجعله لطيفا لينا ان النظام العالمى الجديد هو نفس هذا النظام السياسى المصغر بل انه أشد وطأة وضراوة انه مثل الشريان الرئيس الذى يتفرع عند دخوله الأنسجة الى شبكة من الاوعية الدموية كلها ترتبط به
ولكن الوضع فى ايطاليا القديمة كان مختلفا عن باقى الولايات الاخرى فقد كانت المقاطعات هى التى تختار حكامها وكان الاغنياء يتقربون الى المواطنين باقامة المسارح والحدائق والمشاريع الخيرة وان كان فقراءها يرونه تطهيرا من دنس الاستغلال الذى أمدهم بذلك فهو حقهم المشروع ..المسلوب وكانت ايطاليا معفاة من الضرائب بينما ترد الجزية والعطايا من الولايات الاخرى المثقلة بالهموم بجشع رهيب وكان العمال المصريون والكلام لول ديورانت "يضربون عن العمل بسبب تدنى الاجور ويحتمون بالهياكل ولكنهم كانوا يخرجون تحت تأثير الجوع أو الكلام المعسول وقد تزيد الاجور فترتفع الاسعار وتعود الامور كما كانت " مما دفع شيشرون الى التشهر بفريس واصفا أحوال ممالك البحر المتوسط ويقول "ان كل الولايات تندب حظها وجميع الاحرار يصرخون وجميع الممالك تحتج على قسوتنا وشرهنا وليس ثمة مكان فما بين المحيطين مهما يكن قاصيا أو دانيا لم شعر بوطأة جشعنا وظلمنا "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق