ازمة القوانين الوضعية
فشلت مجموعة القوانين الوضعية التى انتهجتها السياسة المصرية منذ الاحتلال البريطانى واستمرت حتى يومنا هذا فشلت فى التعاطى مع الواقع المصرى والشعوب الاسلامية قاطبة ويعود هذا الفشل الى الطبيعة القاصرة للعقل البشرى فى الالمام بكل متطلبات الانسان والمجتمع والتنيبؤ بالاضرار والاثار الجانبية الناتجة عن التطبيق فمثلا الدستور الامريكى تم تعديله اكثر من سبع وعشرين مرة فى مائتى عام فقط وهذا لايدل على ان العلمانية تصحح من نفسها بل يدل على القصور البشرى وعدم القدرة على الادراك والوصول الى المنظومة التشريعية الامثل للتعامل مع الواقع الانسانى و المستجدات التى تحدث بعد التطبيق كما فشلت ايضا القوانين الوضعية على المستوى النفسى والروحى فقد فشلت فى تحقيق الامن النفسى الداخلى والسلام الاجتماعى وتهذيب النفس البشرية والحد من فورانها الانفعالى فانتشرت الجرائم وظهر الجحود والعقوق بين افراد الاسرة والمجتمع و تدنت النفس البشرية الى طبيعتها الاولى من الغدر والخداع والتملق والكذب والانقياد وراء الغرائز والشهوات
ان سلامة اى نظام سياسى فى الدولة والاستقرار المنشود له يتأتى من توافق منظومته التشريعية مع المعتقدات الدينية لافراد شعبه يقول ميكيافيللى فى كتابه الامير { وقد يسر هذا تيسيرا كبيرا جميع المشروعات التى حاول القيام بها مجلس الشيوخ او كبار اعضائه وقد ادعى توما انه تحدث الى احدى الحور وانها املت عليه كل ما يريد ان يقنع الناس به والحق انه لا يوجد مشترع عظيم لم يلجأ الى القوة الالهية والا لما اطاع الناس شرائعه لأن ثمة شرائع صالحة كثيرة يدرك المشترع اهميتها ولكن اسباب وضعها لا تتضح للناس وضوحا كافيا لان يمكنه من اقناع غيره من الناس باطاعتها وهذا هو السبب الذى يجعل العقلاء من الناس يلجأون الى السلطة الالهية ليتغلبوا على تلك الصعوبة } ول ديورانت نقلا عن كتاب الامير قصة الحضارة المجلد الحادى عشروهكذا يتم وضع العديد من الفتاوى والاحكام وصبغها يبصبغ الشريعة وهى ليست منها لخداع الشعوب وهذا يعود الى ازمة فى القوانين الوضعية لعدم قدرتها اصلا على اقناع البشر بجدواها
و يقول هوبز{ ان المؤسسين والمشرعين الاولين للدول بين الامميين - غير اليهود - الذين كانت غاياتهم الابقاء على طاعة الناس وعلى السلام عنوا فى كل مكان :اولا بأن يطبعوا فى اذهان الناس ان تلك التعاليم التى جاءوا بها فيما يتعلق بالدين لا يجوز الظن بأنها جاءت من عندياتهم بل انها جاءت بأمر من بعض الالهة او الارواح والا كانوا يقولون عن انفسهم -اى المؤسسون والمشرعون - انهم من طبيعة اسمى وارقى من مجرد بشر معرضين للفناء حتى يمكن تقبل قوانينهم فى كثير من اليسر وهكذا زعم توما بومبيليوس ثانى ملوك روما انه تلقى الطقوس التى اقامها بين الرومان من الحورية ايجريا كما زعم مؤسس بيرو واول ملوكها انه وزوجته من ابناء الشمس , ثانيا ان يشيعوا الاعتقاد بأن الاشياء التى تغضب الالهة هى التى حرمها القانون } ول ديورانت قصة الحضارة المجلد السابع عشر
اذن فمن خلال هذا الدجل والتحريف والباس امر الدين على العوام تأتى السيطرة على الشعوب وهذه هى طبيعة البشرية التى ترضخ للتشريعات الدينية اكثر من القوانين الوضعية والتى -اى القوانين الوضعية - تجعل الشعوب حقل تجارب لافكارها القاصرة تغيرها من حين لاخر بسبب عجزها وقصورها فالعقل يحسن التعامل مع الالة الجامدة ولكنه يفشل فى التعامل مع الطبيعة البشرية المتأججة والا لكان علماء الطبيعة والفيزياء والهندسةوالكيمياء هم أنجح واسعد البشر
اذن فلماذا كل هذا الالتفاف ولماذا لا نعود الى التشريعات الاسلامية مباشرة بدلا من محاولات الخداع والكذب ولى الحقائق
ولكن لأننا موضوعيون للغاية نريد ان ننبه الى ان افكار هوبز وميكافيللى والتى صاغت الفكر السياسى المعاصر للدول الاسلامية تعانى من نقطتى ضعف خطيرتين هما
اولا ان هوبز يعتمد سياسة التخويف وبث الرعب لاحكام السيطرة والرد بقسوة على اى محاولة للتغيير لم يعتمد سياسة اقامة العدل ايضا والذى يحمى الممالك من الانهيار لذلك فما لا يعرفه هوبز انه اذا تجرأ البعض وقام بالتصدى وبقوة دون مهابة فان هذا يغرى الاخرين بان يحذو نفس حذوه لانه زرع الكراهية فى قلوب الجميع بسبب سياسة البطش المتبعة فمثلا لو ان مجرمين ركبا اوتوبيسا وهددا الركاب بالاسلحة وقتلوا احدهم من اجل بث الرعب فى قلوب الاخرين فانه لة تجرأ أحد الركاب وهاجمهم سيتجرأ بعد ذلك كل الركاب فاذا كان هوبز قد زرع الخوف فانه سيحصد الكراهية التى قد تعصف به ولتنظر امريكا الى شماتة الشعوب فى كل مصيبة تحل بها
انما مثل النظام العالمى الجديد الذى وضعه هوبز كمثل حبات العقد فالخوف هو ذلك الخيط الذى يربط بينها فاذا تقطع وانسلت حبة انسل وراءها باقى العقد لأنه قائم على الخوف والظلم لا القوة والعدل كذلك اذا تحطم جدار الخوف تحررت كل الامم فالحمقى الذين تغاضوا بقصد عن التدخل الروسى فى جورجيا انما يغرون الاخرين بالتحرر لقد طردت بوليفيا سفير امريكا لديها وكأنه سفير موزمبيق وسارت على نفس النهج فنزويلا والفضل كل الفضل بعد الله سبحانه وتعالى للمجاهدين فى ارض العراق الذين كسروا حاجز الخوف على ابواب بغداد
لذلك كان حديث الرسول صلى الله عليه وسلم { سيد الشهداء حمزة ورجل قام الى سلطان جائر قال كلمة حق عنده فقتله } لقد جعل الاسلام هذا الرجل الذى قال كلمة حق مثل سيد الشهداء لم يحمل سيفا او مدفعا ولكنه اصبح مثل حمزة رضى الله عنه لأنه تجرأ وكسر حاجز الخوف وان كان بكلمة ولاحظ انه قال رجل ولم يقل عالم فالامر ليس وقفا على احد او فيه تخصيص لفئة وكنت دوما اتأمل الحديث واتساءل ولكن الرجل لم يغير شيئا لم يأت بالاصلاح المنشود لقد مات هباء دون مردود انه كما يقال بالعامية مات فطيس ولكن موته هذا يوقظ الاخرين الم يوقظ موت سيد قطب - كما أرخت له الادارة الامريكية - روح الجهاد فى الامة وكما يقول ديورانت { ان سلطان السيف يضارع سلطان القول } فأين نحن الخانعون المتثاقلون الى الارض الراكنون الى الدنيا من كلمة الحق
ثانيا ان طبيعة الاسلام كدين ليست هناك طائفة من الكهنة او المستأثرين بالشريعة كما فى سبط لاوى عند اليهود الذى استأمنه موسى عليه السلام على التوراة او عند باباوات الكنيسة الكاثوليكية فى اوروبا لان القرأن واضح لاغموض فى احكامه او تشريعاته ومتاح لكل الناس وتتلى علينا اياته فالحمد لله الذين انزل الكتاب ولم يجعل له عوجا لذلك لا يمكن للانظمة الحاكمة ان تتحايل على شعوبها وتقول لهم ان تلكم القوانين الوضعية هى من عند الله حتى تعطيها قبولا لدى الجماهير , كما لا توجد فى الاسلام عصمة لغير الانبياء وكل يؤخذ منه ويرد الا محمد صلى الله عليه وسلم لذلك محاولة امريكا والانظمة المتحالفة معها صناعة هذه الطائفة فى المنطقة يسيرون على نهج باباوات الكنيسة الكاثوليكية حتى تستطيع السيطرة على المنطقة بالسيبطرة عليهم فباباوات الكنيسة الكاثوليكية حينما كان يأتى اليهم الفقراء والمظلومين والمسحوقين يشتكون من ظلم القياصرة والملوك فيقولون لهم { دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله } والان تخرج بعض الاقلام لتقول لنا { وان اخذ مالك وجلد ظهرك} كما فعل باباوات الكاثوليكية فهذا خطأ كبير لاننا لو تجاوزنا عن الظلم الشخصى - رغم ان الاسلام يوجب رد الحقوق الى اصحابها - ولكننا لن نتجاوز عن الجور على احكام الشريعة ونبذها وراء الظهور لأنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق و كما امرنا القران الكريم { ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله } دع عنك الظلم الشخصى رغم اهميته ولكن اين حدود الله المعتدى عليها فاذا ارادت الدولة ان تضع قانون الطفل الوضعى الذى شاركت فيه مؤسسات تبشيرية ثم تختمه بصك الشريعة عندنا والشريعة منه براء فهنا الدولة تريدنا ان نتخذها اربابا من دون الله
ان القوانين الوضعية تعانى من ازمة فى التعايش مع الواقع وتؤدى الى خواء روحى وفساد مادى وانحراف خلقى لذلك يجب اعادة النظر فى الواقع المصرى من اجل الشعب المصرى
د.حامد انور
d.hamedanwar@yahoo.com